إنه في رسم سياسة البلد الاقتصادية لابد من أخذ أمرين أساسيين بعين الاعتبار, الأول يتعلق بأن الفكر الاقتصادي الذي لا يلامس الواقع ولا يأخذ بعين الاعتبار المشكلات القائمة والمصالح المترابطة وآمال الناس وتوقعاتهم وتطلعاتهم يعتبر تنظيراًبعيداً عن هدف تصوير قضايا المجتمع واكتشاف العوامل التي تتحكم فيها أو تترابط معها أو التي كانت السبب في تشكلها
ويعتبر د. العمادي أن جوهر التنظير الاقتصادي هو رؤية الواقع بأبعاده المختلفة وبعيون مجردة ثم العمل على وضع الرؤية المستقبلية كما يجب أن تكون عليه, ولهذا يرى أن دراسة تاريخ سورية الاقتصادي أمر هام بالنسبة لأولئك الذي لم يعيشوا المراحل السابقة والأمر الثاني في رسم سياسة البلد هو أن الفكر الاقتصادي والتنموي في سورية لا يمكن عزله عن الفكر التنموي العربي والدولي, ولا عن المشكلات والموضوعات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي يعالجها هذا الفكر, طالما أننا نؤمن بوحدة الوطن العربي ويجب أن نكون فاعلين في عالم اليوم.وبوجهة نظر د. العمادي أن التوجه العالمي والعربي اليوم يؤمن بأن نظام السوق هو المحرك الأساسي لنمو الاقتصاد الوطني, والذي يجب أن يرافقه حماية الملكية وضمان حرية المنشآت الاقتصادية وضمان المزاحمة الشريفة وتحقيق المساواة في الاستفادة من الفرص التي ينتجها السوق مع قوانين تضمن حماية الحقوق والتقاضي العادل وتنفيذ الأحكام.
ويعتبر أن المناداة اليوم عالمياً وعربياً تتم بالقضاء على البطالة ومكافحة الفقر والمناداة بالديمقراطية والحرية وضمان الحقوق الإنسانية, والتعاون بين الحكومات ورجال الأعمال ومحاربة الفساد وتعديل الأنظمة الضريبية بما يتلاءم مع تشجيع الاستثمار وتأمين توزان الموازنة, وإعادة تنظيم القطاع العام, وإدخال الحكومة الالكترونية, وتعميم المعرفة والتدريب للجميع وتمكينها وإدخالها في الحياة الاقتصادية, ومنع تشغيل الأطفال, وحماية الملكية الفردية, ومحاربة تبييض الأموال والجريمة المنظمة, ورأى د. العمادي أن هذا التوجه نحو اقتصاد السوق لم يكن مقبولاً لدى جميع المفكرين والسياسيين معتبراً أنه في تاريخ الفكر الاقتصادي كان هناك الكثير من الاقتصاديين الذين يمجدون آلية السوق ويحذرون من المشكلات والصعوبات التي تواجه أي مجتمع يتجاهل اليد الخفية التي تنسق أعمال السوق, ويضربون على ذلك مثلاً كيف أن بعض المحاولات الحكومية الرامية لحل مشاكل اقتصادية معينة أدت الى خلق مشاكل وصعوبات أكبر.
واعتبر أن المشكلات التي خلقها نظام السوق أدت بالكثير من الاقتصاديين إضافة الى الفلاسفة وأصحاب النظريات الاجتماعية الكبرى الى نقد نظام السوق, أما فيما يخص النظام الاقتصادي السوري فوجد أن هذا النظام تطور مع تطور الأوضاع السياسية والاجتماعية التي مرت بنا حيث رأى أن التخطيط في البداية لم يكن إلا محاولات أولية أخذت شكلها في تحديد الأهداف والاستثمارات ومشاريع القطاع الخاص في إطار هدف مضاعفة الدخل القومي خلال مدة عشر سنوات تماشياً مع ماكان عليه في الإقليم الجنوبي للجمهورية العربية المتحدة, حيث كانت قوى العرض والطلب في تلك الفترة هي التي تحدد الأسعار فيما عدا أسعار بعض السلع الأساسية في حياة المواطن كالخبز والسكر والمحروقات.
وتابع د. العمادي القول: إن عمليات التخطيط تنامت لتشمل تحديد خطط إنتاج القطاع العام ولتقوم وزارة التموين بالاشتراك مع الجهات المنتجة في تحديد الأسعار حتى وجدنا أن عملية التسعير قد شملت مختلف أنواع السلع المعروضة في المخازن أو السلع التي تمكن مراقبي التموين من التعرف عليها, أدت عمليات التسعير غير العادل الى اختفاء بعض السلع وظهور السوق السوداء, كما أدت إساءات الاستعمال التي تمت من خلال الموافقات التي كانت تعطى لشراء سلع القطاع العام الى نهب هذا القطاع وتراكم ثرواته في أيدي المستغلين, كما أدت بعض عمليات التسعير الى رداءة الإنتاج وانخفاض نوعيته والى تهريب بعض سلعنا كالأدوية الى الدول الأخرى ما جعلنا نبدأ بمراجعة عمليات التسعير وإعادة النظر فيها.
وبين العمادي أنه في كل هذه الحالات كان هناك ابتعاد عن استخدام اصطلاح (اقتصاد السوق) لأن لهذا المصطلح انعكاسات اقتصادية واجتماعية تتعلق بالمنطلقات الأساسية للسياسة الاقتصادية ولا يمكن لأحد أن يحسمها إلا القيادة السياسية, وحتى لو حسمت القيادة السياسية الأمر, كما فعلت فعلاً- فإن ذلك لم يمنع المثقفين من تناول الموضوع سلباً وايجاباً بحرية كاملة.
ورأى أن برنامج الإصلاح الاقتصادي يعتبر إعادة صياغة علاقة الاقتصاد السوري العالمي أحد أهدافه الأساسية وتنطلق هذه العملية (عملية إعادة الصياغة) من التوجه نحو تحقيق مستوى أعلى من التكيف التدريجي للاقتصاد السوري مع التوجهات المعاصرة للاقتصاد العالمي خاصة فيما يتعلق بالأخذ باقتصاد السوق وتحرير التجارة والتشجيع على الاستثمار وبين أنه في نهاية المطاف تم اعتماد اقتصاد السوق الاجتماعي في سورية وهذا الاقتصاد يتطلب القيام بأمرين أساسيين: الأمر الأول ما يتعلق بتحرير قوى العرض والطلب من القيود التي تعرقل سيرها وإزالة اختناقات الاحتكارات والقوى التي تعرقل المزاحمة الحرة والشريفة, أما الأمر الثاني يتعلق بدور الدولة ولا أقول بدور القطاع العام- لأن هناك فرقاً واسعاً بين هذين الدورين ولا يختلف أحد في أن على الدولة أن تمارس وظائفها التقليدية بالحفاظ على الأمن الداخلي والخارجي وإقامة العدل والحفاظ على المال العام والبيئة, وتقديم خدمات التعليم والصحة,والقيام ببناء الطرق والمرافئ والمطارات وكذلك السدود ومشاريع الري والصرف, وجر مياه الشرب وتنفيذ مشاريع الصرف الصحي .
ومن واجبات الدولة أن تقوم بوضع القوانين والأنظمة التي تحكم التجارة الداخلية والخارجية وتنظيم أمور النقد والتداول, ووضع سياسات الضرائب و الاتفاق وتحديد سعر إعادة الحسم لدى مصرف سورية المركزي والاشراف على المصارف والمؤسسات المالية والتجارية إضافة الى خلق مناخ ايجابي لاستثمار رؤوس الأموال وتشجيع الإنتاج وتفعيل قوى السوق بما يخدم المزاحمة الرامية الى تحسين الجودة وإقلال التكلفة الى ما هناك من وظائف أخرى.
أما قيام الدولة نفسها بإقامة المشاريع الإنتاجية التي يمكن للقطاع الخاص أن يقوم بها فهذا أمر يخضع للظروف التي تمر بها الدولة ولأهمية المشروع بالنسبة لها ولمدى إقبال القطاع الخاص على تنفيذه أو عدمه وبالتالي فإن القطاع العام الاقتصادي أمر قائم, ومتابعة عملية إصلاحية عمل أجدى من أي عمل آخر ولم يعد الإصلاح المؤسسات المتعثرة سراً وإنماهو مبادىء تنتظر من يملك القدرة والجرأة عل تطبيقها. ورأى أن ممارسة الدولة لهذه الوظائف لا يعني حصرها بها وإنما يجب أن يسمح للقطاع الخاص بأن يشارك بها كالتعليم والصحة وتنفيذ المشاريع والتجارة الداخلية والخارجية والمصارف والتأمين والزراعة والصناعة, وألا تكون الدولة مزاحمة للقطاع الخاص في هذه المجالات وإنما مشجعة ومرغبة ومنظمة ومراقبة لأعماله, ولا أشك أن هناك أعمالاً سيادية لايملك حق القيام بها إلا الدولة وهي خارج موضوع أي نقاش كتحقيق الأمن والعدالة على سبيل المثال.
واعتبر د. العمادي أن الهدف في كل ما تقوم به الدولة هو تقديم الخدمة والرعاية والتنظيم والمراقبة ومنع التجاوز والتعدي على حقوق الآخرين, أي يجب ألا يكون قيام الدولة بدورها الذي ذكرناه أعلاه تسلطاً من جهازها الإداري على الشعب بل خدمة لهم ورعاية لأمورهم, وتساءل العمادي إذا كنا قادرين على تحقيق السوق الحرة والدولة القوية?!!
ووجد أنه في الأزمات التي تمر بها البلاد للدولة أن تتخذ ما تراه من اجراءات لحماية حياة مواطنيها لا يحدها في ذلك إلا مبادىء العدالة والمساواة بين الناس.