وما يستتبع ذلك من تداعيات وآثار سلبية في بنية الدولة والمجتمع يتم الحديث عن هذه الظاهرة بحجمها وأشكالها ومظاهرها وحتى بتقمصها للعديد من الأشكال وعلى نفس الصعيد وفي توظيف تمهيدي لما قاله العالم الاقتصادي البريطاني جون هودننغ في مقالته (أين تتجه الرأسمالية العالمية?) في تمييزه بين ثلاثة مركبات مختلفة من مركبات عجز الرأسمالية, وهي
- عجز الأسواق ذاتها, وعجز المؤسسات, وعجز الأخلاق الذي يكمن في أساس عجز الأسواق والمؤسسات, ونلمح في كل من العجوز الثلاثة قاسماً مشتركاً واحداً:هو الفساد .
يقدم الدكتور منير الحمش مدير عام المركز العربي للدراسات الاستراتيجية, لورقة بحثة ضمن سلسلة قضايا راهنة الصادرة عن ذات المركز, و المعنونة ب:الاقتصاد السياسي للفساد.
- حيث يورد الباحث تعريف الفساد وفقاً لمنظمة الشفافية الدولية , بأنه استغلال السلطة من أجل المنفعة الخاصة في حين وضع البنك الدولي تعريفاً للأنشطة التي يمكن أن تندرج تحت تعريف الفساد, وذلك عندما قال بأن الفساد هو إساءة استعمال الوظيفة العامة للكسب الخاص ويلاحظ بأن هذا التعريف يحدد آليتين رئيسيتين من آليات الفساد الأولى آلية دفع الرشوة أو العمولة للموظفين والمسؤولين في القطاعين العام والخاص لتسهيل عقد الصفقات وهو ما يسمى تاريخياً في المنطقة العربية (البرطيل), والثانية هي الرشوة المقنعة أو العينية في شكل وضع اليد على المال العام, وهذا المستوى الثاني هو أخطر آليات الفساد السائدة في المنطقة العربية.
وخلاصة القول في تعريف الفساد بأنه ظاهرة تتلخص في قيام البيروقراطيين باستغلال مراكزهم من أجل المصلحة الخاصة وقد يكون الفساد كبيراً عندما يرتبط بالمشروعات الوطنية, وقد يكون صغيراً عندما يرتبط بالموظفين في المراكز الإدارية الدنيا.
الفساد وفرصه الاقتصادية
يحدد د.الحمش حالات يعم منها الفساد, تتمحور حول الحصول على منفعة حكومية والسيطرة على مجريات الأمور, ويبرز هذا النوع من الفساد بشكل خاص في حالات المناقصات والمزاودات, وقد كشفت مذكرة تفاهم للبنك الدولي بشأن (بارغواي), بأن نظام سعر الصرف المتعدد الذي كان قائماً فيها قد أدى الى ظهور الفساد, كما كشفت عمليات الخصخصة التي جرت في معظم البلدان عن عمليات فساد كبيرة, ذلك إن تمويل أصول الدولة الى القطاع الخاص يخلق بحد ذاته حوافز للفساد كما جرى في تايلند والأرجنتين, ويبرز هنا البعد الاقتصادي والسياسي للفساد عندما يستخدم المال الفاسد من أجل إجراء تغيير في بنية الدولة.
كما تتمثل إحدى الحالات الاقتصادية للفساد بتجنب دفع التكاليف أو تخفيض الأسعار, وتمر هذه العملية. بمراحل عديدة ابتداء من تحقيق الضريبة ثم فرضها وبعد ذ لك تحصيلها, وعندماتغيب الأسس التنظيمية ويكون هناك فرصة للاجتهاد بسبب عدم وضوح القوانين أو عندما يترك هامش لتقدير الجهاز البيروقراطي فإن المكلف بالضريبة يجد أمامه فرصة لاستغلال ضعف إدارة الموظف أو سوء أمانته, من أجل تجنب العبء الضريبي كلاً أو جزءاً.
- وتبين الدراسات أنه مع ارتفاع معدلات الرسوم الجمركية, تنخفض ايرادات الجمارك منها, ويزداد التفاوت في المعدلات المدفوعة بالفعل, وتنسيق هذه النتائج مع الرأي القائل بأن حوافز الفساد ترتفع مع ارتفاع معدلات الضرائب والرسوم الجمركية.
- أيضاً (وفقاً لما ورد في ورقة الباحث الحمش), فإن الفساد من أجل الحصول على منصب حكومي, يشكل احدى فرص الفساد وحالاته الاقتصادية.
فعندما يصبح الفساد متغلغلا في المجتمع تصبح المناصب والوظائف حسب موقعها في الجهاز البيروقراطي من الأصول الثمينة,
حجم الفساد
ويرى د.منير الحمش في هذا الإطار إنه يمكن التمييز بين نوعين من الفساد وفقا للحجم:
الأول: يتعلق بأداء الوظائف والخدمات الروتينية حيث يجري تحميل نفس سعر الرشاوى بالتساوي على الجميع تقريبا مقابل الحصول على الخدمة مثل تمديد خط هاتفي والحصول على اشتراك كهرباء. الثاني: وهو يشمل أنواع الفساد التي تتناسب مع حجم الأرباح والمكاسب التي يحققها الراشي في كل حالة على حدة, فكلما كان هذا الحجم كبيرا سواء بتحقيق العائد أو بتخفيض النفقات أو التكاليف كلما كبر حجم (الريع الفاسد) , وكلما كانت الوظيفة ذات حساسية خاصة أو كبيرة ارتفع حجم (الريع الفاسد). وبذات الوقت فإن احتمال اكتشاف حالة الفساد وتوقع العقوبة التي يمكن أن يتعرض لها كل من الراشي والمرتشي يؤثر على الفساد من زاويتين: الأولى: ارتفاع مخاطر احتمال الكشف عن الحالة.
الثانية: توقع عقوبة كبيرة وفي هذه الحالة ينخفض ( عرض الرشوة) أو ينخفض الطلب عليها إلى درجة الصفر, ويمكن القول إن: التكلفة المتوقعة للرشوة: احتمال الإمساك بمقترفها* احتمال الإدانة * توقيع العقوبة.
النتائج الاقتصادية
من الناحية الاقتصادية يرى د.منير الحمش أن الفساد غالبا ما يترافق مع تشوهات لتوليد ريوعه, تتناول فيما تتناوله عمليات النمو الاقتصادي والتنمية الاقتصادية والاجتماعية ويتبدى ذلك في العقود الحكومية, فكثيرا ما يحصل ضرر بارز على الاقتصاد الوطني سواء من حيث ارتفاع ثمن توريدات السلع والبضائع والخدمات أو من حيث انخفاض جودتها, وكذلك في عمليات النهب الواضحة للمال العام عن طريق إجراءات الخصخصة وعوائدها.
ومن المفارقات التي يطرحها موضوع الفساد أن هناك من يرى أن للفساد نتائج إيجابية فإلى جانب مسألة تراكم رأس المال لدى الفاسدين واستثمارهم له داخليا بما يعود بالنفع على الاقتصاد الوطني يرى البعض أن الفساد يقلل من القيود الحكومية ويتجاوز الجمود البيروقراطي تجاه العمليات الاقتصاديةوالمالية وخاصة فيما يتعلق بتسهيل عمليات الاستثمار,وبالتالي فإن الفساد يمكن أن يحرك عجلة النمو الاقتصادي, هذا من ناحية النتائج الاقتصادية للفساد.