الحوار اجراه الفنان الكبير د. فاتح المدرس مع الشاعر المعمر المغمور محمد الفراتي في ايلول عام 1977 حين زار الفراتي الذي جنح الى الفلسفة في أواخر سنوات حياته يصحبه الفنان المغترب تركي محمود بك , مرسم فاتح المدرس في ساحة النجمة بدمشق, فكانت المواجهة والحوار الصعب الذي لم يأخذ طريقه للنشر آنذاك لأسباب اجهلها , بالرغم من ان المدرس رسم صورة سريعة بقلمه تمثل وجه الشاعر أرفقها مع الحوار .
ثم ظهر هذا الحوار عند الصحفية الاديبة فائدة شريف نزال , التي كانت تعتبر الفنان المدرس استاذها الروحي والفكري فقدمته الى حين اخبرتها بأنني اعد دراسة مطولة عن شاعر القلق والموت عمر الخيام, وكان ذلك في عام 1982 وبصدور كتابي في العام المذكور , تاه هذا الحوار مرة ثالثة بين اوراقي الكثيرة وارشيفي الشخصي الذي ازوده كل يوم بجديد , ولا غرابة في ذلك فاننا نحيا في عصر تفجر المعلومات .
وعندما اتيح لي اعادة ترتيب اوراقي بمناسبة اقتراب العام الحالي من نهايته عثرت عليه وتساءلت هل ادفعه للنشر بعد مرور 28 سنة على كتابته ام اتركه في مكانه مع اوراق اخرى ليقضي الله امرا كان مفعولا , بعد ذلك يتشاطر احد ورثتي وينشره مشكورا , لم ترق لي الفكرة الاخيرة, ولئلا يضيع هذا الحوار مرة رابعة, سلمته للزميل رئيس الدائرة الثقافية ليأخذ طريقة للنشر..
واذا كانت لي من ملاحظات تتعلق بالحوار .. فان هذا الحوار اجري مع الشاعر الفراتي/180-1977/ وهو في السابعة والتسعين من عمره, وقبل وفاته بحوالي التسعة اشهر, وهذا يعني ان الحوار هو آخر حوار أجري مع الشاعر قبل رحيله , فكان يمثل المحطة الفكرية الاخيرة في حياته المديدة وخلاصة ثقافته وفلسفته الحياتية, دون ان ننسى ان المحاور هو من كبار الفنانين العرب, وان الاجوبة التي اطلقها الشاعر الفراتي لا ترتبط بزمن , لأنها اجوبة عفوية على اسئلة كونية كبرى , لا تزال مطروحة للنقاش والتداول حتى ايامنا هذه .
واخيرا اكرر شكري وامتناني العميق للزميلة الصحفية فائدة نزال, التي اهدتني النص الكامل للحوار, من اجل التوثيق الادبي, واسعاد القراء الاعزاء من عارفي ريادة ومكانة الفراتي والمدرس.