تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


فضيحة السجون السرية ...تهز السمعة الأخلاقية للسياسة الأميركية

دراسات
الاحد 18/12/2005م
أحمد برغل

أثارت فضيحة السجون السرية التي تديرها وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية في بعض دول أوروبا والرحلات الغامضة ل (سي- آي- إيه)

مخاوف الأوروبيين الذين شعروا بأنهم خدعوا طوال الأعوام الماضية من حليفتهم الكبرى, الولايات المتحدة الأميركية, وما أزعجهم أكثر المعتقدات السرية التي تؤكد منظمات حقوقية أميركية وأوروبية أنها أقيمت في رومانيا, بينما جعلت أميركا من بولونيا مركزا لاستجواب المعتقلين.‏

وفي هذا الإطار أفادت مجلة دير شبيغل الألمانية أن لدى برلين لائحة مفصلة بما لا يقل عن 437 رحلة جوية سرية قامت بها طائرات تقع في ألمانيا التي تحتضن أكبر عدد من القواعد الأميركية في أوروبا.‏

وقالت المجلة: إن طائرات من هذا القبيل قد تكون استخدمت لنقل أشخاص مخطوفين وإيداعهم في معتقلات سرية.‏

أما صحيفة الغارديان البريطانية فقد أحصت 350 طائرة لوكالة الاستخبارات المركزية حطت في أوروبا, فيما بات يعرف بفضيحة (غوانتانامو اكسبرس).‏

مدير الاستخبارات المركزية بورترغوس لم ينف وجود سجون سرية تابعة لدائرته في أنحاء العالم, لكنه نفى بقوة اللجوء إلى التعذيب.‏

كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الأميركية فشلت في جولتها الأخيرة بتبديد المخاوف الأوروبية حول (فضيحتي) طائرات ال (سي- آي- إيه) وسجونها السرية في أوروبا بعدما قدمت إجابات غير محددة عن الأسئلة المتعلقة بالقضيتين في برلين متذرعة بضرورة الاحتفاظ بسرية أنشطة الاستخبارات متجنبة تأكيد وجود (المواقع السوداء أو نفيها).‏

وإذ أوحت الوزيرة الأميركية أن الحكومات الأوروبية أبلغت سلفا بأنشطة الاستخبارات الأميركية على أراضيها بهدف امتصاص نقمتها, قالت: إننا نحترم إجراءاتها, ولكن يبقى عليها أن نقنع الرأي العام الأوروبي.‏

ولأن رايس تفتقر إلى المصداقية في مسألة تعامل عناصر الاستخبارات الأميركية مع السجناء, طالبت بالوثوق بها وكررت أكاذيب رئيسها جورج بوش الذي يدعي بأن الولايات المتحدة لا تمارس التعذيب ولا تبرره ولا ترضى بأن يمارسه عناصرها, وأكبر دليل على كذب رايس ورئيسها هو ما جرى في سجن أبو غريب من وحشية وتعذيب.‏

وفي هذا الإطار يقول وزير الخارجية الايرلندي ديرموث أهيرن: إن رايس أخبرته في واشنطن بأنها تتوقع مع الحلفاء أن يثقوا بأن أميركا لا تسمح بانتهاك الحقوق.‏

هنا يتساءل الكاتب الأميركي بول كيرمغ روبرتس قائلا: من سيثق بهذه المرأة التي قالت كمستشارة للرئيس بوش للأمن القومي إن صدام حسين كان يملك أسلحة دمار شامل قادرة على إنتاج سحابة قاتلة فوق مدينة أميركية?.‏

ومن سيثق بهذه المرأة التي قالت كمستشارة للأمن القومي أن صدام حسين كان يؤوي إرهابيي القاعدة في بغداد وأنه ساعد على تدريب البعض على تطوير أسلحة كيماوية.‏

ومن سيثق بهذه المرأة التي لا يمكن أن تجيب على سؤال سوى بالقول (ثقوا بي).‏

لقد أوضحت حكومة بوش بشكل لا لبس فيه أنها تؤمن بالمبدأ القائل أن الغاية تبرر الوسيلة.. فالكذب وسيلة لتحقيق غاية, وما تقوله كوندوليزا رايس للأوروبيين هو (لا تولوا أي انتباه لأكاذيبنا, لكن تقبلوا بأننا كذابون من أجل قضية جيدة ومناسبة).‏

ما الدليل الآخر الذي نحتاج إليه من حماس حكومة بوش الضئيل للصدق أكثر من الحقيقة التي كشفتها صحيفة لوس أنجلوس تايمز بأن حكومة بوش قد ضبطت وهي تدفع للصحفيين ليكتبوا قصصا مفصلة عن الحرب في العراق?.‏

والسؤال الذي يطرح نفسه الآن, لماذا تلجأ واشنطن إلى كل هذه السرية التي أرادت أن تلف بها موضوع التحقيق مع المشتبه بهم وترحيلهم إلى دول أخرى, إذا لم يكونوا فعلا لمعاملة لا إنسانية تحط من قيمة الفرد وتنتهك كرامته?.‏

صحيفة لوس أنجلوس تايمز ترى أن السبب الذي دفع حكومة الولايات المتحدة إلى ترحيل المعتقلين خارج ترابها هو تحاشي الوقوع تحت طائلة القوانين الداخلية التي تحرم ممارسة التعذيب وتعاقب المسؤولين في حال اقترافه.‏

وتضيف الصحيفة قائلة: المشكلة أنها ليست المرة الأولى التي يتم فيها تعذيب المعتقلين, فلو نبشنا قليلا في الذاكرة لتبين لنا أن الولايات المتحدة سلكت الطريق ذاتها في الماضي سواء في تشيلي أو السلفادور أو إيران أيام حكم الشاه أو في فيتنام.‏

من الواضع أن سمعة أميركا فيما يسمى بالحرب على الإرهاب باتت في أسوأ أحوالها, فعمليات التعذيب في أبو غريب وغوانتانامو وسجون ال سي آي إيه السرية في أوروبا أساءت إلى صورتها وأظهرتها بأنها دولة خارجة على القانون ولا تعير أي وزن لحقوق الإنسان وتضرب بعرض الحائط كافة المواثيق والمعاهدات الدولية, وما بيانات التأكيد التي تصدرها إدارة بوش برفض التعذيب إلا ذراً للرماد في العيون.‏

لقد كان هارولد بنتر أثناء تكريمه بجائزة نوبل على حق عندما شن هجوما شديد اللهجة على الرئيس الأميركي جورج بوش ورئيس وزراء بريطانيا توني بلير, داعيا إلى مقاضاتهما أمام محكمة دولية لاتخاذهما قرار غزو العراق.‏

وتساءل بنتر: كم من الأشخاص يجب أن تقتل لتصنف قاتلا جماعيا أو مجرم حرب?.‏

مئة ألف? مضيفا (أحضرنا التعذيب والقنابل العنقودية واليورانيوم المستنفد وأعمالا إجرامية لا حصر لها, والبؤس والموت إلى الشعب العراقي, ونعتبر أن ذلك هو نشر للحرية والديمقراطية في الشرق الأوسط).‏

لا شك أن التقرير الذي أثار القضية مؤخرا ليس الأول من نوعه, إذ أشارت منظمة العفو الدولية قبل عدة أشهر إلى أن وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية تحتفظ بسجون سرية في تايلاند ومصر والأردن والمغرب وأفغانستان, وعدد من الدول الأخرى.‏

وحسب كتيب تدريب رفعت عنه السرية, كما تقول صحيفة الغارديان, فإن طلاب مدرسة الأميركيين -من ضباط الجيش والشرطة من مختلف أنحاء نصف الكرة الأرضية- كانوا يدربون على العديد من التقنيات (التحقيق القسرية) والتي انطلقت من هناك إلى غوانتانامو وأبو غريب, مثل القبض على المطلوبين في ساعات الصباح الباكر لتحقيق أكبر قدر من الصدمة, التغطية الفورية للرأس والعينين, الإجبار على التعري, الحرمان من الحواس, تحميل الحواس فوق طاقتها, التلاعب بالنوم والطعام, الإذلال, درجات الحرارة العالية, العزل, الأوضاع المؤلمة وما هو أسوأ من ذلك.‏

في كتابه (مسألة الإرهاب) الذي سيصدر قريبا وفق صحيفة الغارديان البريطانية يصيغ ألفرد ماكوي الدليل, ويروي كيف مولت وكالة الاستخبارات المركزية تجارب مرعبة على سجناء ومرضى نفسيين خلال عقد الخمسينيات أصبحت بمثابة مرشد لما دعاه (التعذيب من دون لمس) والذي يعتمد على الحرمان من الإحساس وإيقاع الألم بالذات.‏

وتتبع ماكوي كيف اختبر عملاء وكالة الاستخبارات المركزية هذه الأساليب ميدانيا في فيتنام كجزء من برنامج فونيكس الذي صدّر فيما بعد إلى أميركا اللاتينية وآسيا تحت ستار تدريب الشرطة.‏

ويضيف ماكوي قائلا: من يتلمسون الأعذار للتعذيب حين يلقون بالمسؤولية على (بضع تفاحات فاسدات) لا يتجاهلون هذا التاريخ وحسب, بل إن عددا مذهلا من أبرز المعارضين للتعذيب يخبروننا أن فكرة تعذيب السجناء لم تطرأ لمسؤولي الولايات المتحدة إلا في 11 أيلول 2001 عندما انبثقت الأساليب التي اتبعت في غوانتانامو كاملة مكملة من عقلية كل من ديك تشيني ودونالد رامسفيلد السادية, فحتى ذلك الحين كان يقال لنا بأن أميركا تحارب أعداءها وتحافظ في الوقت نفسه على إنسانيتها.‏

ولكن يبدو أن إدارة بوش والمحافظين الجدد الذين يسيطرون عليها فقدوا أي حس إنساني, فالصورة المرعبة التي نشرت في مختلف أنحاء العالم عن المعاملة المهنية وغير الإنسانية لسجناء غطيت رؤوسهم في أبو غريب, وما يجري للمعتقلين في غوانتانامو هي أكبر دليل على لا أخلاقية هذه الإدارة المتصهينة التي لا تعترف بأي حقوق إنسانية سوى حقوق السيد الأميركي وحليفه الصهيوني.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية