ولم يقم بعض رؤوساء مجالس المدن والبلدات بواجباتهم تجاه هذه المسألة?!
إن المتتبع لموضوع النظافة في أغلب مدن وقرى المحافظة يلاحظ بوضوح الاهمال الكبير والتقصير للجهات المعنية في مواجهة النفايات والتخلص منها, فالشوارع والأحياء في تلك الوحدات الإدارية تعج بالنفايات والأتربة والأوساخ, والساحات والمداخل في بعض قرى المحافظة تحولت إلى مقالب للقمامة والحجارة والصخور, لقد أصبحت أكوام الحجارة والأتربة والنفايات مناظر مألوفة يشاهدها المواطنون في العديد من شوارع ومداخل وزوايا الأحياء في تلك التجمعات السكانية, وفي الواقع فإن أزمة النظافة لا تقتصر على القرى والبلدات الصغيرة بالمحافظة, بل تعيشها حالياً بعض المدن الكبيرة أيضاً مثل نوى وطفس وجاسم وغيرها, ففي هذه المدن تحول العديد من الأسواق والساحات العامة والمداخل إلى بؤر مليئة بالنفايات المتنوعة وتشكلت في زواياها أكوام وتلال صغيرة من النفايات المنزلية التي يرمي بها سكان المنازل كيفما اتفق ودون مراعاة للنظافة العامة وصحة الإنسان, ولا نبالغ هنا إذا قلنا إن مئات رؤوس الأبقار أصبحت تعيش بين البيوت السكنية في أغلب مدن وقرى المحافظة..
والغريب في الأمر هنا أنه رغم كثرة هذه المخلفات والنفايات في أحياء وشوارع الوحدات الإدارية بالمحافظة ورغم صدور قانون النظافة المنظم لهذا الموضوع ومعالجته.. فإن مجالس المدن والبلدات لم تقم إلى الآن بالجهود الكافية لترحيلها والتخلص منها وفق الطرق الحديثة, وبلا شك فإن غياب النظافة عن تلك التجمعات السكنية بدرعا سيعرضها لمشكلات بيئية وصحية متعددة وخطيرة على حياة الإنسان والمزروعات وغيرهما من الكائنات الحية, إذ إن تراكم النفايات والأوساخ في الطرقات ومداخل الأحياء سيؤدي إلى انتشار القوارض والحشرات الضارة التي تنقل الأمراض الكثيرة والخطيرة للبشر كاللايشمانيا والإسهالات والطاعون وربما داء الكلب, ونؤكد هنا بأن بعض أحياء المدن والبلدات بالمحافظة مليئة الآن بالجرذان والفئران والناموس, ولعل أكثر الناس سمع بظاهرة الكلاب الشاردة التي انتشرت منذ شهرين تقريباً في مدينة نوى وبعض القرى المجاورة التي ألحقت الأذى بعشرات الأشخاص وبخاصة الأطفال منهم.
وفوق هذا فإن انتشار القمامة والأتربة والحجارة على جوانب الطرقات وفي بعض الأماكن العامة والاستجمام بالمدن والقرى يعكر صفو النفوس ويسيىء إلى جمالية المدن فضلاً عن الروائح الكريهة وحالات التلوث التي تسببها هذه الأوساخ لعناصر البيئة المتنوعة ونحن نتحدث عن واقع النظافة في محافظة درعا نعلن هنا أن الصورة ليست سوداوية تماماً ومعتمة, فهناك الأسود.. وهناك الأبيض, فنحن لا ننكر أن بعض البلديات في المحافظة قامت وتقوم بالإجراءات التي من شأنها معالجة موضوع النفايات وتخليص السكان منها وذلك من خلال توزيع البراميل والحاويات على الأحياء لجمع القمامة, ومن ثم القيام بترحيلها إلى مقالب خارج المدن والقرى مثل: بلدية درعا وبلدية ازرع وغيرهما.
ولكن مثل هذه الطرق والأساليب في التعاطي مع موضوع النفايات ما زالت قاصرة وعاجزة عن تحقيق النظافة المنشودة وتوفير الصحة العامة ومنع التلوث, لأنه لا تكفي أن تقوم بلدية ما بتوزيع عدد من الحاويات على بعض الأحياء والشوارع لتأتي سيارة النظافة التابعة لها بعد أسبوع أو أكثر, لترحيل ما جمعته تلك الحاويات.
ونعتقد هنا أن التصدي الفعلي لموضوع النظافة يتطلب أولاً توزيع الحاويات على جميع الأحياء والشوارع دون استثناء وثانياً يجب أن يتوفر العدد الكافي من الآليات وعمال النظافة للقيام بالطواف على تلك الحاويات بشكل يومي وترحيل النفايات منها إلى مقالب نظامية لدفنها وحرقها بالشكل الصحيح حتى لا تلحق الأذى والضرر بالمزروعات وغيرها من الكائنات الحية, حيث إن أغلب المقالب الحالية التي يتم ترحيل نفايات المحافظة إليها غير نظامية ولا تتوفر فيها الشروط الفنية الصحية للمقالب, ما يسبب الإزعاج والضرر لبعض السكان المجاورين لها وللبيئة أيضاً, ولعل الحل الجذري والشامل لمشكلة النفايات في محافظة درعا وغيرها من محافظات القطر يستدعي إنشاء معامل لمعالجتها, والاستفادة منها في مجالات أخرى.
لقد سبق وأعلنت الجهات المعنية عن وجود دراسة فرنسية تتعلق بإقامة معمل للنفايات الصلبة في محافظة درعا من قبل شركة فرنسية, إلا أن هذا المشروع لم ير النور إلى الآن, وما زالت الحكاية مجرد قصة نرويها بين الحين والآخر, ونحن نؤكد هنا على أهمية تنفيذ هذا المشروع بالمحافظة نظراً لأهميته الخاصة وأن المحافظة تطرح يومياً نحو /450/ طناً من النفايات الصلبة.
وعلى أي حال.. فإن المطلوب الآن وإلى حين إنشاء المعمل المنتظر في المستقبل أن يقوم رؤساء مجالس المدن والبلدات في محافظة درعا بواجباتهم حيال مسألة النظافة, إذ إن العناية بنظافة الشوارع والأحياء والأماكن العامة في أي مدينة وقرية لا يحتاج إلى مبالغ طائلة تعجز البلديات عن توفيرها, فالمسألة تحتاج إلى يقظة الضمير وإلى قليل من الجهود المتواصلة والمتابعة الحثيثة من السلطات المحلية, والعمل كذلك على تطبيق تعليمات قانون النظافة الصادر مؤخراً.