وانسلخ عن تاريخه الأول، فأصبح يشعر بالاغتراب، ولا يدرك تأثير العوامل المحيطة به بشكل جلي. ومن هنا ظهرت الدراسات النفسية، بغية الوصول إلى حلول للمشاكل التي تعترض الإنسان.
يدرس الكاتب برسلاف في كتابه «بسيكولوجيا اللون.. العلاج باللون للجميع» تأثير الألوان على حياتنا، ويتساءل: «لماذا نتأثر بما يحيط بنا من ألوان؟ أحدنا يفضل التجول ساعات طويلة في الغابة الخضراء، مما يساعد على الهدوء والاسترخاء، وآخر لا نستطيع دفعه إلى الغابة مهما كانت الإغراءات، فهو يشعر بالراحة أثناء النظر إلى زرقة البحر اللامتناهية، وثالث ولنفس الهدف يفضل الصعود إلى قمم الجبال مشدوداً ببياضها وعزلتها».
حاول المؤلف في هذا الكتاب طرح الاكتشافات وأعمال الباحثين المختلفين العاملين بنجاح في مجال بسيكولوجيا اللون. ويرى الكاتب أن هناك ثلاث مجموعات من العلوم تدرس تأثير اللون على نفسية الإنسان:
1-فيزياء اللون: تدرس القوانين الفيزيائية للإشعاعات اللونية التي تشكل اللون وقانونية الإحساس باللون.
2-البسيكولوجيا الفيزيائية للون: تدرس تأثير اللون على نفسية الإنسان عند إدراكه له.
3-بسيكولوجيا اللون: تدرس قوانين تأثير اللون على تصرفات الإنسان وانفعالاته ووجدانه.
لقد شكلت المؤثرات التي يتلقاها الإنسان من الوسط الخارجي خلال آلاف السنين طبيعة وسلوك الإنسان.
لا يمكن تحديد ماهية إدراك اللون، فقط هناك تراكم خبرة دون أن يتذكرها الإنسان. هناك تأثير نفسي مزدوج للون: الأولي الذي بواسطته ندرك الوسط المحيط أو الأشياء ونكون عنها انطباعنا، والثاني أو الباطني الذي يؤثر من خلال المترابطات، ويتراكم بشكل فردي في عملية اكتساب التجربة الحياتية.
يدرس الكاتب تطور إدراك الألوان في مراحل الإنسان العمرية كافة. ثم يدرس التأثير النفسي لألوان الطيف. وقبل أن يتحدث عن تأثير اللون على تصرفات الإنسان، يدرس بنية نفسية الإنسان، ويبدأ بالعقل الباطن، وهو الشيء المجهول والقديم من نفسية الإنسان، والمرتبط بالوظائف الجسدية، ويشكل خزان الطاقة لكل الحياة الروحية. يقول ليفي شتراوس: «إن العقل الباطن يتطور في سياق عملية النشوء خلال آلاف السنين، وهو واحد لكل البشرية، ويتمظهر حسب قوانين واحدة ويؤدي إلى تجميعها. وهو عبارة عن معلومة مبنية تتراكم في احتياطي نشوء الإنسان دون إشارة للزمن، ويمكن أن تكون قد تكونت في وقت لم يكن الإنسان قد أصبح إنساناً حقاً».
إن العقل الباطن أساس ارتكاز كل علم النفس، وهو الطاقة الأكثر قدماً وغير المحسوسة، وهو يحوي في ذاته أشياء تنتقل بالوراثة من جيل إلى جيل، وعملياً لم تتبدل هذه الأشياء خلال آلاف السنين عند أناس كافة الأعراق والقوميات.
في الفصلين الخامس والسادس، درس الكاتب تصرفات الإنسان المختلفة باختلاف الألوان وردة الفعل عليها. أما في الباب السابع فتطرق إلى التصرف اللوني في حالات أكثر تعقيداً «العلاقة بين الشخصيات، الحب والنزوات». وتحدث في الباب الثامن عن التمظهرات الخارجية للسلوك تحت تأثير اللون: كيف يتأقلم الناس مع مكان سكنهم، وكيف ينتقون ألبستهم وزينتهم.
يؤكد مؤلف الكتاب أن كتابه هذا موجه إلى أوسع دائرة من القراء من مختلف الأعمار والمهن والآراء. وقد صدر الكتاب عن دار الطليعة الجديدة في دمشق، وقام بترجمته الدكتور عبدو البطل.