فبعد أكثر من عشرين عاماً من التعاطي مع الشعر السوري بخارطته الشاسعة الممتدة حتى آخر القرى وأكثرها نأياً أجد نفسي جاهلاً ويلزمني الكثير لأعرف من أين تنبت بعض الأسماء كالفطر على تلك الخارطة هكذا فجأة ودون مقدمات نقرأ أسماء ممثلينا في تلك المهرجانات،أعصر ذاكرتي محاولاً تذكر شيء عن تلك الأسماء: ديوان شعري مثلاً أو حتى قصيدة واحدة منشورة فأفشل...
وحدهم القيّمون على هذه المهرجانات يعرفون من يدعونهم،ويعرفون انجازاتهم،إذ صارت موضة الدعوات الإنترنيتية رائجة هذه الأيام.... جماعة المنتدى الفلاني تدعو المسجلين فيها ولو كانوا سباكين أو متطفلين على الكتابة بامتياز.
وإذا كانت الحالة الشعرية العربية المتردية جزءاً من الحالات المتردية على صعد كثيرة أخرى،فإن هذا التزوير والتشويه المتعمدين ينبغي أن يجد من يتصدى له حفاظاً على ماء وجه الشعر السوري العظيم،ينبغي أن يكف الأدعياء عن نهب فرص المستحقين كما ينبغي أن تصحّح الصورة المشوهة التي أخذها الجمهور العربي عن الشعر السوري،وإذا كانت أنطولوجياتنا نحن،وملفاتنا الكثيرة عن الشعر السوري تعزّز هذا التشويه، لا بد عندها أن يقلّ عتبنا على الآخرين الذين لا يعرفون من الشعر السوري سوى بعض المتنفذين،والعاطلين الذين يصولون ويجولون في مواقع الانترنت،إذ لا يكلف الأمر سوى بعض فناجين القهوة في أحد مقاهي الانترنت وكمّاً من الكتابات الرديئة،والباقي على المشرفين على تلك المواقع.
وللأسف الشديد ساهم جزء من الصحافة في تخريب الذائقة،حيث استغل البعض من الصحفيين مواقعهم ونوافذهم الإعلامية المتاحة للترويج لكتاباتهم النيئة،وبطبيعة الحال وجدوا من يصفق لهم طمعاً بفتات المقالات التي قد يمررونها لهم،وهكذا انحاز الشعريّ إلى الظل،وطغى اللاشعريّ،وتعقّدت خارطة الشعر السوري خاصة لمن لا يملك فكرة عنها إلا من خلال ما يصله مكتوباً ومنشوراً.
هذا العمل اللاأخلاقي ساهم في خلق كتل وشلل همّها الوحيد تسويق من لفّ لفها،دون أي اعتبار لأصالة التجربة وما تقدمه للتجربة الشعرية السورية،وصرنا بمجرد قراءة أحد الملاحق نعرف سلفاً الأسماء التي تكتب فيها،وقائمة المحظورين والممنوعين من الكتابة فيها.
أتكلم عن حقائق وعن تجربة شخصية ولا أود الاستفاضة في موضوع بات الجميع يعرفونه،ويتجاهلونه في آن،فقد أرسلت العام الماضي بعض الكتابات لملحق النهار تجاهلها الشاعر عباس بيضون المشرف على الملحق باستثناء مقال عن الشاعر محمد علي شمس الدين نشره فوراً لأن الشاعر من كتاب السفير،والأمر تكرر في بعض الدوريات العربية وهكذا ما عليك سوى أن ترسل المقالات التي تتعلّق بالمشرف على الصفحات والملاحق الثقافية،أو تلك التي تتعلق بواحد ممن ينشرون هناك،وفيما عدا ذلك تذهب جميع كتاباتك مهما كان مستواها إلى سلة المهملات.
............
بعد عشرين عاماً وأكثر من معايشة الشعر السوري وشعرائه،وصلت إلى حقيقة مفادها أنني قد أكون جاهلاً،وقد يكون هؤلاء الطارئون يكتبون بالحبر السريّ الذي لا يملك الكثيرون من أمثالي المُظهِر السحريّ له.