انهارت دعائم الإقطاع، وأقيمت أيديولوجيا جديدة، بشرت بحق الإنسان في الحرية والملكية. وعلى عكس ما حملت الثورة من أفكار، فقد زادت البرجوازية الصاعدة من الحرمان والفقر والاستغلال. وسارت الدول الأوروبية في طريق التطور الرأسمالي وقطعت أشواطاً كبيرة، في حين بقيت ألمانيا المجزأة إلى دويلات تعاني من ضعف التطور والتقدم. وفي الوقت نفسه، فقد برز في نهاية القرن الثامن عشر في ألمانيا كتاب كبار وفلاسفة كبار غيروا تاريخ الفلسفة، هم كانط وهيغل وفيخته وشيلينغ.
ولد فريدريك شيلينغ عام 1775 وتوفي عام 1854، ويعد أحد أعلام المثالية الكلاسيكية الألمانية، وأحد الكبار الذين صاغوا النظرة الديالكتيكية لتطور المجتمع.
درس اللاهوت في جامعة توبنغن. وفي عام 1798 أصبح أستاذاً للفلسفة في جامعة إيينا.
اهتم بفلسفة الطبيعة وجعلها مركز اهتماماته، وانتقل فيما بعد إلى فلسفة الوحي، عبر محاولة بعث الأفلاطونية المحدثة. وهكذا جاءت نظرته إلى الطبيعة مثالية، مع أنه طبق الديالكتيك في دراساته. أدخل مذهب التطور إلى مذهبه في الطبيعة، وقال إن الطبيعة العديمة الوعي تتقدم على ظهور الوعي لدى الإنسان، وإن نشوء الوعي يتم من خلال درجات متصاعدة من التطور.
لم تكن فلسفة الطبيعة بالنسبة إليه كافية لبناء منظومة فلسفية، لذلك فقد أكد على ضرورة إيجاد فلسفة أخرى، دعاها «المتعالية»، وهاتان الفلسفتان اعتبرهما اتجاهين ممكنين في النظر الفلسفي. ووضع كتاب «مذهب المثالية المتعالية» عام 1800، وفيه يحاول التفلسف حول وحدة الروح والطبيعة، منطلقاً من أولوية الموضوعي على الذاتي.
في العام الذي يليه أصدر كتابه «عرض لمذهبي الفلسفي»، يؤكد فيه على قضيته المركزية في الوحدة بين الطبيعة والروح. وبسبب وحدة الذاتي والموضوعي، لن يكون هناك وجود سوى للعقل المطلق، وتنسحق الذاتية في الموضوعية.
يتراجع شيلينغ عن كثير من آرائه السابقة، ويبطل مشروعه القاضي بدراسة الدين دراسة تاريخية، وصار يدعو، بكثير من الثقة، إلى فلسفة الأسطورة. لكنه لم يجد مريدين له، كما كان الحال في دراسته للطبيعة، إذ إن العلم كان يتقدم بسرعة، وكان على الفلسفة أن تتطور بما يناسبه.