بمشاركة أربعين أديباً وناقداً، توزعوا خارطة أغلب الدول العربية، إضافة إلى وفد تركي من خمسة مشاركين.
توزعت تلك المشاركات على تسع جلسات علمية، إضافة لحفلتي الافتتاح والختام. كما أقيم على هامش هذا المهرجان معرض للصور الضوئية ضمّ حصيلة الملتقى الدولي الثاني للفن التشكيلي، الذي أقيم في مدينة الرقة، كما افتتح معرض للكتاب في هذه المناسبة.
عقدت هذه الدورة تحت عنوان «الرواية والنقد»، حيث تضمنت «13» شهادة إبداعية و»20» دراسة نقدية، قليل منها لم يلتزم بالعنوان السابق، لكن بعضاً منها قاربه من بعيد، فاكتفت الكثير من الشهادات بسرد مطول لتجربة الكتابة الذاتية، وتوقفت قليلاً مع آلية التعاطي النقدي مع هذه التجربة. وحده الناقد والروائي التونسي محمد الباردي ناقش المسألة من زاوية الروائي الناقد أو لنقل مدى حضور الناقد في عمله الإبداعي.
الروائي المغربي الميلودي شغموم رأى إلى النقاد شياطين وملائكة، لكن الكفة رجحت رؤيته رجّحت الفئة الأولى، وطالب الكتاب عموماً بعدم الانصياع لسلطة النقد مديحاً كانت أم تجريحاً، فقد «ينتف ريشك مبكراً جداً ناقد عديم الذمة أو زميل احترف الاغتيال الأدبي».
الروائي ممدوح عزام لم يبتعد كثيراً في تقييمه للمشهد النقدي، موضحاً «أنني لم أقرأ بعد أي نقد قُدمّ عن رواياتي، قولاً في الكتابة الروائية، أو عن الكيف، أو عن التقنيات التي اخترتها للكتابة» لأن جلّ ما يكتب في النقد ينصرف باتجاه الموضوع، لكنه أشار إلى رأي من صديق شاعر وناقد في مخطوط روايته «قصر المطر» يعتبر أن النهاية كانت جيدة لأنها تفاؤلية، فانتبه إلى أن هذا الرأي مع ما يحمله من مديح يشير إلى معضلة أن النهاية تشكل خيانة للسياق الروائي الذي بناه، فلجأ إلى تغيير تلك النهاية قبل طباعتها، مدللاً على إمكانية الاستفادة من الرأي النقدي حتى في حال عدم توافقك معه.
الكاتبة ابتسام تريسي رأت أن النقد لدينا صحفي أو أكاديمي، لكنها أشارت إلى «تعوّد بعض النقاد، إن لم يكن الكثير منهم، أن يبحثوا عن السيرة الذاتية الخاصة للكاتب في أعماله الإبداعية» وهذا يشكل نوعاً من السلطة القمعية برأي الكاتبة.
الروائي والناقد نبيل سليمان أسهب في الحديث عن الإصدارات النقدية التي بنت جسوراً حقيقية بين الرواية والنقد في منجزة الروائي، لكنه ابتدأ بالحديث عن مكابداته مع النقد خلال أربعين سنة سواء في: القراءة المطابقة والعصبوية والشللية وفي التعالي والرطانة والتعالم إضافة للجهل.
كذلك توقف الروائي خيري الذهبي مع إشكالات النقد في تجربته، وإشكالية النقاد في واقعنا. بينما الدكتور محمد الباردي من تونس كان الوحيد الذي ناقش المسألة زاويته كروائي وناقد، مشيراً إلى مدى حضور الناقد في عمله الإبداعي.
أما الروائي نهاد سيريس فقد شنّ هجوماً على النقد الغائب في حياتنا، باعتبار هذا الغياب مؤشر تخلف، موضحاً أسباب هذه الظاهرة: بكوننا لا نملك علماء بل أناس تتحدث عن تاريخ العلوم، كما أن جامعاتنا حتى اليوم لا تعتبر الأدب الروائي جديراً بالتدريس، والجامعات هي المكان الطبيعي لظهور النقد، وأخيراً تعود القارئ لدينا على غياب الأبحاث النقدية المعمقة، فاستعاض عنها بما يكتب في الصحافة والإنترنيت.
الأوراق الأخرى تضمنت عشرين بحثاً أو دراسة، يمكن لنا أن نقرأ في أربع منها ما يمكن تسميته نقداً تطبيقياً، حيث اختصت كل منها بكاتب أو كتاب محدد، فتناول إسماعيل مروة العلاقة ما بين الرشيد والعجيلي ومدينة الرقة التي كادت تتماهى به بقدر ما منحها ذاته وإبداعه، فيما تحدث خطيب بدلة عن بعض جوانب الفكاهة في شخصية الأديب الدكتور عبد السلام العجيلي، والتي قلما يُشار إليها.
الباحث ولات محمد قدم دراسة أكاديمية لما يعرف بالعتبات النصية، من خلال رواية «في غيابها» لنبيل سليمان، مشيراً في البداية إلى وجود موقفين نقديين من هذه الموضوعة: الأول يعطي للنص الموازي أهمية قصوى تكاد تفوق أهمية المتن، والثاني يهمل تلك النصوص الموازية ولا يرى فيها ما يستحق التوقف عنده.
الدكتور جهاد عطا نعيسة أفرد بحثه القيّم لدراسة المنجز الروائي لممدوح عزام في رواياته الأربع: «معراج الموت»»1» 1989م، «قصر المطر»»2» 1998م، «جهات الجنوب»»3» 2000م، «أرض الكلام»»4» 2005م. متوقفاً في المستوى الأول مع الهوية التي متحت من ميراث جنوب سوريا «محافظة السويداء» وذاكرتها مجمل العناصر السردية، وهو ما عاد الكاتب ليؤكده في دراسة بعض العناصر الجمالية في نصوص عزام، مشيراً إلى أن الروائي في تعامله مع الجغرافيا خلق بيئة موازية وتواريخ مستعادة في علاقات الإنسان ضمن هذه البيئة/ الجغرافيا، وربما نعيد إلى هذه المسألة الكثير من الاشتقاقات الجمالية الأخرى، كجدل العامية والفصحى عند ممدوح عزام، وبشكل خاص في الحوارات بين الشخصيات، وصولاً إلى الاشتغال على الشخصية الروائية، بل إعادة الحضور لها مقابل نظريات الإلغاء التي يقول بها البعض. كما توقف الباحث مع مركزية الحكاية أيضاً في سياقاتها وصياغتها المحلية، موظفاً التناقضات الكثيرة في هذه البيئة والتي تقدم نوعاً من التراجيكوميديا أو السخرية والتهكم من مرارات الواقع والحياة.
المحور الأخر في هذا المهرجان يمكن تسميته «الرواية والنسوية في النقد» بغض النظر عن إشكالية المصطلحات النقدية التي أثارت بعض الحوارات، ففي ورقة الدكتورة شهلا العجيلي المعنونة «حول مشكلات النقد الروائي العربي في عالم متعدد الثقافات» إشارة إلى بروز اهتمامات نقدية جديدة في هذه المرحلة باعتبارها «مرحلة خصوصيات ثقافية، يتم فيها تسليط الضوء على البنى المواجهة للمركز في سياسات ثلاث للهوية وهي: النسوية، القومية، والإثنية/ الدينية». وبتعبير آخر يتم الآن الاشتغال على مفهوم الهوامش مقابل المركزية التي سادت في الفكر الغربي لزمن سابق.
تقول الدكتورة رفقة دودين من الأردن بأهمية دراسة التمثيلات الأدبية للاختلاف في كتابة النساء وصولاً إلى ما يسمى بالنقد النسوي، كون مؤسسة النقد السائدة تحاكي في مجمل الإنتاج الأدبي المؤسسة الذكورية بكل أغراضها البحثية الصارمة التي ترفض الاختلاف وتقصي الأخر الذي هو المرأة.
الروائيتان سميحة خريس من الأردن وعلوية صبح من لبنان قدمتا ما يشبه الشهادات في هذا المدار الذي يؤكد على خصوصية الكتابة النسوية في مواجهة الثقافة الذكورية التي أنتجت نظريات نقدية إقصائية لكل الهوامش. كما أكدتا أن اللغة ليست حيادية، فاللغة التي أنتجتها هذه الثقافة السائدة تشكل حاملاً لتقاليد وأعراف المؤسسة الذكورية الاستعلائية، لذلك نراها مشحونة بكل ما هو مضاد للنسوية في الثقافة وللأنثى في المجتمع والحياة.
الدكتورة رشا ناصر العلي اختارت دراسة على النقد، واختارت الدكتور محمد عبد المطلب في كتابيه: بلاغة السرد، وبلاغة السرد النسوي، حيث انتقل في الكتاب الثاني إلى قراءة 22 نصاً نسوياً، كما انتقل في أدواته المعرفية أو البحثية باتجاه منجزات النقد الثقافي الذي يربط تلك النصوص الروائية النسوية بأنساقها الحياتية، وآليات تلقيها المجتمعية.
كذلك الكاتبة التركية تولين دورسون، قرأت الحالة النسوية في الرواية التركية، وهي تتقاطع مع الحالة العربية في البنية الثقافية المهيمنة، فالمرأة غير حرة في رأي دورسون للتعبير عن الحب العميق، ونوازعها الداخلية، وعندما تعبر عن ذلك يُصدر القارىء حكمه: «هذه المرأة طق عندها شرش الحياء».
وأشارت دورسون إلى تزايد عدد الكاتبات والشاعرات في تركيا المعارضات لقمع الرجل وثقافة الهيمنة السائدة، ليس باعتبار ذلك تمرداً قدر ما هو جهد لاستعادة حقوقها ومكانتها المستلبة.
باقي الأوراق اهتمت بمباحث نظرية في نقد الرواية العربية، فأكد الدكتور إبراهيم فتحي من مصر أن رصد النقد للنماذج الروائية والمعارك ما بين السرد الواقعي والسرد الحداثي لم يصل إلى قطيعة حادة بين المدارس النقدية، وإن غلب عليه في الخمسينات من القرن المنصرم السياق السياسي والاجتماعي، لكننا نلاحظ أن أهم رواد ذلك النقد الواقعي كمحمود أمين العالم يشير إلى كون الصورة أو الشكل والصياغة في الأعمال الأدبية والفنية تكاد تكون جوهر ما هو أدبي أو فني. كذلك النقد الجديد لم يقطع مع الواقعية النقدية ولم ينقطع عن التيارات الغربية ذات المنحى التجريبي كالبنيوية أو التفكيكية.
كذلك الدكتور حسين حمودة استعاد معركة «الزمن الروائي» كما أثارها د. جابر عصفور في تسعينات القرن الماضي، وما أثير حولها من التباس وصل حدّ التطاحن النقدي، بشكل خاص من قبل الشعراء ومن قبل ثقافة تعتبر الشعر ديوانها الأول، لكن انتشار فن الرواية وقابليته على استيعاب منجزات العصر وأشكال التعبير المختلفة، أنهى هذه المعركة لصالحها، وسلّم الشعراء بخسارة هذه المعركة التي غابت أصداؤها مذ زمن.
الباحث خيري دومة من مصر توقف مع استخدام ضمير المخاطب في السرد العربي المعاصر، والذي يشير بالتركيز على اللحظة الراهنة للحدث، ضمن شحنة مكثفة عاطفياً وانفعالياً. مضيفاً أن استخدام هذا الضمير يغير العلاقة ما بين الكاتب وقارئه.
الدكتور فايز الداية من سورية اشتق مصطلح النقد الدرامي في استعارة من الدراما السينمائية والتلفزيونية، ليقرأ من خلاله نماذج من الروايات الكويتية لإسماعيل فهد إسماعيل، حيث تبدو البنائية الدرامية واضحة فيها، بطريقة أقرب إلى التقسيم المتبع في كتابة السيناريو، بينما في نموذج سليمان الشطي يؤكد على وجود البنية الدرامية في السرد وإن كانت غير ظاهرة بالقوة نفسها. كما تابع هذه الدراسة في أعمال الروائي السوري خيري الذهبي.
أما الباحث اليمني عمر عبد العزيز فتوقف مع سؤال السرد العربي المعاصر في تأثيرات الواقعية السحرية التي ظهرت في أمريكا اللاتينية، واستجلاء آثارها الفنية كما ظهرت في تجربة ماركيز، تاركاً للقارئ أن يتلمس أصداءها في الرواية العربية المعاصرة. بينما اكتفى الروائي اليمني محمد الغربي عمران بتقديم ببلوغرافيا للرواية اليمنية وآفاق تطورها.
الدكتورة نورة القحطاني من السعودية اشتغلت على النقد الروائي العربي والرواية الشبابية. متقصيةٍ القطيعة بين العالمين في أغلب الساحات العربية. حيث العلاقة متوترة بين الإبداع الشبابي والنقد الروائي العربي، إذ أن هنالك منتجاً روائياً كمياً متوافراً لم يستطع النقد مواكبته.
بينما ذهب الدكتور معجب العدواني من السعودية إلى تقصي الأعمال النقدية العربية التي ركزت على العلاقات التناصية بين الرواية المعاصرة والتراث السردي العربي القديم، مشيراً إلى أهمية هذا التناص في التأسيس لسرديات عربية متغيرة.
الكاتب محمد باقي محمد من سورية يتساءل: هل نحن أبناء شرعيون أو غير شرعيين لنثر الجاحظ والتوحيدي وابن المقفع، أم أننا أبناء شرعيون لرينيه ويلك كناقد وسيرفانتس كروائي. وفي مستوى النقد يكون السؤال: هل نحن امتداد للقاضي عبد القاهر الجرجاني وابن قُدامة والآمدي وابن جعفر أم إننا صدى لنورثروب فراي ودريدا وباقي الاتجاهات الغربية؟
الدكتور الناقد المغربي شعيب حيلفي قسم النقد إلى أكاديمي، وقراءة نقدية حقيقية، ونقد صحفي، وأشار إلى أن الحركة النقدية في المغرب العربي منذ بدايات القرن الماضي استدعت الإرث الثقافي العربي في سوياته المشرقية والأندلسية، كما تأثرت لاحقاً بالمثاقفة الفرانكفونية بشكل خاص، فقد ساهمت الجامعة والملاحق الثقافية للصحف الوطنية في تعميم الاتجاهات النقدية مع ملاحظة أن الحركة النقدية في المغرب لم تقف عند عقدة بناء نظرية أو تيار أو مدرسة، بل ظلت تشتغل بأدوات منفتحة على كل المدارس والتيارات.
وفي ختام هذا المهرجان أعلنت توصيات الدورة الخامسة متضمنة العمل على تطوير المهرجان، وتخصيص الدورة القادمة لمحور «الرواية والترجمة»، ويستتبع ذلك مشاركة أسماء غربية في تلك الدورة. إضافة لتخصيص جلسة لأدب العجيلي.