والفكرية، والفلسفية للرواية، والمتتبع لعناوين تلك الاجتماعات سوف يقرأ مثلا: الرواية والمدينة، الرواية والتاريخ، الرواية النقد، الرواية والحرية، إلى آخر ما يمكن استخلاصه من علاقات الرواية بالمحيط الاجتماعي الذي تنشأ في حاضره، وبين يدي هنا مجلدان صادران عن المجلس الأعلى للثقافة في مصر يضمان الأبحاث التي ألقيت في مؤتمر الرواية والتاريخ، ومثلهما مجلدان آخران صادران عن الجهة ذاتها، بعنوان الرواية والمدينة، إضافة إلى مجلدين آخرين يضمان شهادات الروائيين العرب في كلا المؤتمرين.
تذهب جميع الأبحاث إلى دراسة الجوانب المتعلقة برؤية الروائي للتاريخ ، أو إلى دراسة اختلاف الرواية عن التاريخ،أو إلى دراسة العلاقة بين الرواية والتاريخ، هل هي علاقة استنطاق أم اختراق أم تكوين، أو اللحظة التاريخية في الرواية، أو الرؤية السياسية في الرواية التاريخية، أو الرواية تاريخ حي،أو التاريخ الفردي والتاريخ الجمعي،أو البحث عن توظيف التاريخ في الرواية، أو استعارة التاريخ، أو الرواية وتأويل التاريخ، أو الرواية التاريخية والتاريخ في الرواية، إلى آخر ما هنالك من دراسات يمكن أن تتناول موضوع العلاقة بين الحقل الكتابي الروائي، و الذاكرة الشفوية أو الكتابية التاريخية، ولا ينجو موضوع الرواية والمدينة من الاهتمام ذاته، فالموضوعات هناك تنصرف أيضا إلى دراسة صور المدينة في الرواية العربية، أو إعادة تشكيل المدينة في الرواية، أو بناء المدينة روائيا، أو الصور المجازية للمدينة في الرواية، أو المدينة في رواية اللص والكلاب لنجيب محفوظ مثلا، وبنية المدينة في الرواية الخليجية.
الطريف أنه لا يوجد بين هذه الأبحاث جميعها أي بحث يقلب المعادلة، فبدلا من دراسة بنية المدن، أو المدينة في الرواية، وهناك من لا يزال يؤكد أن الرواية فن مديني بامتياز، فإن الضرورات البحثية تتطلب دراسة تأثير المدينة في البنية السردية للرواية، على الأقل بالنسبة لأولئك النقاد الذين يحاضرون في أن الرواية بنت المدينة، فالسؤال الشاغل هنا هو: هل يكفي أن تتحدث الرواية عن المدينة؟ أم أن المديني في الرواية بنية نصية لها سمات محددة مستقاة من بنية المدينة، أو موازية لها بحيث يبدو من الصعب استعارة الاسم أي الرواية المدينية، دون معرفة شكل التجلي الكتابي، أو البناء السردي ذي الطابع المديني. لا توجد دراسات من هذا القبيل في النقد العربي، وما يزال هذا النقد يصنف الرواية تبعا للموضوع، وهذا يعني أن الرواية بنت المدينة، تتحدث عن الريف مستخدمة العناصر البنائية ذاتها حين تتحدث عن المدينة، وهو أمر مخالف للمنطق على الأقل إلى أن يثبت العكس، وبالمثل فإن النقد لا يتردد في تسمية قطاع عريض من الرواية العربية باسم الرواية التاريخية، والسؤال هو : ما هي العناصر البنائية التي تجيز لنا إطلاق هذه التسمية؟ أو ما تأثير التاريخ في البنية السردية للرواية؟ وتبعا لذلك لا يكفي أن نكتب دراسة عن تجليات القمع أو الخوف في الرواية العربية، فمن الضروري أن نعرف تجليات الخوف أو القمع في بنية الرواية ذاتها، فالروائي مواطن خائف، أو مقموع،» وقد يقول أنه ليس كذلك» ومن الطبيعي أن يظهر القمع في لغته، أو في بنية روايته،ومثل ذلك رواية السجن أيضا، وهو ما بات يعرف لدى عدد من النقاد العرب باسم محتوى الشكل، أو يظهر المضمون في الأشكال الأدبية.