تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


طاهــــر بـــــن جلّـــــون فــــــي أحـــــــدث أعمالــــــــه..الرحيل: غوايـة الإبحـار نحـو القـاع

ثقافة
السبت 18-4-2009م
ديب علي حسن

بين الإبداع الذي يسمو بالإنسان وإن كان قاسياً حاداً أحياناً وبين جلد الذات وإهانتها بينهما فارق كبير وبون وشاسع، أن تقدم هوية وطنك مشوهة منتقصة، بلهاء لترضي الذين تعيش بين ظهرانيهم وهم يقبلون بك ضيفاً ثقيلاً وغير مرغوب به،

ومن مبررات قبوله أن يكون بوقاً لهم..‏

ظاهرة لافتة للانتباه بين جيلين من المبدعين، جيل أدب المهجر الذي دق سواحل الأميركيتين باحثاً عن فرصة عمل وعلى الرغم من شظف العيش وقسوته ومرارته كان الوطن الهادي لهم، كان علامة مضيئة ليس من باب الشوفينية والتعصب بل من المحبة الواسعة التي توسعت حتى صارت نزعة إنسانية، فما ألم أصاب الوطن إلا ووجد صداه في إبداعهم، فرحوا لأفراحنا حزنوا لأحزاننا.‏

الجيل الثاني هو هؤلاء المبدعون الذين هاجروا إلى الغرب بقسميه مابعد منتصف خمسينيات القرن الماضي، فإذا بهم يعودون إلينا بإبداع مسموم ملوث مشوه لصورنا وقيمنا، بالتأكيد لسنا مجتمعات مثالية، ولا نريد أن نغمض عيوننا على عيوبنا، بل نريد من يدلنا عليها ويداويها ولو جراحة، ولكن أن يتحول البعض إلى أبواق تبصق في الماء الذي شربت منه، وتغتال ألف مرة، أن تقدم للآخر نتاجاً أدبياً حسب الطلب والمواصفات يقدمنا وكأننا على هامش الحياة، كأننا حشرات تسعى إلى مرتع هذا الغربي، هذا حال معظم الأعمال الإبداعية العربية (الروائية) التي انتجها أدباء عرب في الغرب، هذا المدخل أردته مقدمة للحديث عن رواية: طاهر بن جلّون المترجمة إلى اللغة العربية تحت عنوان «الرحيل» وقد صدرت في دمشق عن دار علاء الدين.‏

عزو الكرامة المهدورة‏

الشخصية الرئيسية في الرواية عزو الشاب المغربي الجامعي الذي يحلم أن يبحر إلى الطرف الآخر إلى إسبانيا، تحولاته وخيباته، انكساراته وانهياراته هو والشخصيات التي قدمها الروائي في عمله، هؤلاء شريحة واسعة من المجتمع المغربي، بل ربما يمثلون معظم شرائح المجتمع لكنهم جميعاً مهووسون بترك وطنهم، كلهم انتهازيون، كلهم سفلة داعرون وداعرات باعوا أجسادهم بأبشع الصور ليصلوا إلى مايريدون.‏

في شخصية (عزو) دلالات أراد الروائي أن يسحبها على الوطن العربي كله، على الهوية والانتماء (أبلغ من العمر أربعاً وعشرين سنة أحمل شهادة جامعية وعاطلاً عن العمل، لا أملك مالاً ولا سيارة، أنا حالة اجتماعية نعم، أنا أيضاً أسير نحو الهاوية، وأنا مستعد لأي شيء لكي أرحل من هنا لكي لا يبقى معي عن هذا البلد سوى صور وبطاقات بريدية، لذا فأنا لم أخلق للحب، وأنتن تستحققن ما هو أفضل، تستحققن الرفاهية والجمال والشعر. لقد حاولت من قبل عبور الأربعة عشر كيلو مترا التي تفصلنا عن أوروبا ولكنني وقعت ضحية عملية نصب، وكنت أوفر حظاً من ابن عمي نور الدين الذي مات غرقاً على مسافة أمتار من العادية فهل تفعلن ذلك؟).‏

هكذا كان يفيض عزو بالحديث للفتيات اللواتي لا همّ لهن إلا الحب والغوص فيه، يريدن الخلاص بانتقاء زوج ، صديق لا يهم، بل ربما لا فرق..‏

ودلالة الاسم تظهر في حواره مع (ميغيل): اجلس لا بد أنك جائع.‏

- كلا أريد فقط حبة أسبرين وكأساً كبيرة من الماء.‏

- ما اسمك؟‏

- عزو العرب.‏

- هذه أول مرة أسمع فيها اسماً مغربياً ويصعب لفظة إلى هذه الدرجة.‏

- يناديني أصدقائي بـ (عزو) هذا أبسط.‏

- ماذا يعني هذا الاسم؟‏

- يعني عزة العرب، مجد العرب، أنا صفوة العرب، اسمي يعني الثمين والغالي والحسن.‏

عزو (عز العرب) يجعله الروائي عشيقاً لميشيل، زوجاً مثلياً، زوج يقوم بواجبه تجاه (ميغيل) وبوصف فيه من القرف ما يكفي نقع على تفاصيل ودلالات الشاذ ميغيل الذي يختار الشباب ليكونوا أزواجاً له ومن قبله (خالد) وللاسمين دلالة.‏

ومن اللقطات الجميلة واللافتة وصفه لهر يحاول مغادرة المغرب: (لمح هراً رمادياً يحاول مغافلة الحراس، طرد بركله ولكن هذا لم يثنه عن المحاولة مرة ثانية للدخول إلى السفينة، كان هذا الهر معروفاً من رجال الجمارك والشرطة فكانوا يضحكون من إصراره على مغادرة المغرب، فقد سئم الوضع هو أيضاً).‏

- رسالة إلى الوطن‏

بعد أن حصل عزو على الموافقة لدخول إسبانيا بعد أن صار عشيقاً للثري ميغيل وقبل أن يغادر المغرب كتب إلى وطنه رسالة مطولة ومما جاء فيها:‏

(وطني الغالي نعم ينبغي أن أقول وطني الغالي، فالملك يقول شعبي الغالي، اليوم يوم مشهود بالنسبة لي أخيراً صارت لدي الإمكانية وحالفني الحظ في الرحيل، ومغادرتك والتوقف عن استنشاق هوائك والتعرض لمضايقات رجال شرطتك وإهاناتهم، أرحل وقلبي منفرج، وعيناي تشخصان إلى الأفق، وتتطلعان إلى المستقبل لا أعرف تماماً ما سأفعله، كل ما أعرفه هو أنني مستعد لأتغير مستعد لأعيش حراً، لأكون مفيداً لأفعل أشياء تجعل مني رجلاً يقف على رجليه..‏

ولكن يا وطني الغالي:‏

أنا لا أغادرك بصورة نهائية، أنت تعيرني فقط للإسبان، لجيراننا، لأصدقائنا، نحن نعرفهم معرفة جيدة ظلوا لفترة طويلة فقراء مثلنا).‏

على كل حال الإبحار في تفاصيل الرؤية محزن ومؤلم، فلا شيء سوى شباب وشابات مغاربة يحلمون بالرحيل إلى إسبانيا، يعملون في اللواطة، في أي رذيلة المهم أن يصلوا إلى المقلب الآخر، وفي المقلب الآخر يزدادون نذالة وقذارة، هوس الرحيل هو البطل الأساس في الرواية هو القاسم المشترك بين الشخصيات، عزو بطل التحولات عاشق للنساء ثم زوج لميغيل ثم مخبرو.. و.. وعزو يرضى أن تتزوج أخته الرجل الذي كان يعيش معه زوجاً من أجل أن تهاجر.. شخصيات من طبقات مختلفة دلالاتها أن كل الوطن الذي يتحدث عنه يعيش في القاع، ولا أظن أن ذلك صحيح.. ترى ما الذي دفع بن جلون إلى هذه الرواية المستنقع التي لا تحمل أي جمالية فنية، بل جعل من الجنس قذارة بقذارة.. ومن الشباب..‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية