لتكون محتلة من قبلهم يديرها ويشرف عليها الضابط الإنكليزي برسي كوكس، حتى وجدوا مقاومة شرسة من أبناء الفرات حيث دخل القائد رمضان الشلاش في عام 1919 مدينة دير الزور على رأس قوة من أبناء العشائر الفراتية واستولى عليها وقام بوضع الكابتن الإنكليزي روبرت جاميير في الاحتجاز المنزلي وأسر بقية الإنكليز ووضعهم رهن الاعتقال المؤقت وأعلن القائد رمضان الشلاش نفسه حاكماً عليها، فتناقلت الأنباء هذا الحدث الكبير الذي اعتبر تحدياً هاماً لبريطانيا التي خرجت منتصرة في الحرب العالمية الأولى.
وإلى جانب هذا الحدث كانت هناك صور أخرى من النضال الثوري ضد الإنكليز في باقي مناطق لواء الزور، حيث استبسل الثوار الفراتيون في المعارك التي خاضوها ضد الإنكليز، وأهم هذه المعارك: معركة ضبيعة التي قادها أهالي مدينة البوكمال واستشهد فيها عبد الله الدندل شقيق الشيخ مشرف الدندل، ومعركة المجرود عام 1919 قادتها عشائر العكيدات وكان أبرز قادتها أسود المصيخ ومليشان المحيمد وعبيد الفارس المحمد الحسون، ومن ثم معركة النسورية التي قادتها عشائر الدميم بزعامة فارس الصياح.
وبهذه الثورات والمعارك كان تحرير دير الزور أول جلاء إنكليزي عن مدينة عربية في بداية القرن العشرين، وتحت قوة السلاح العربي أجبرت السلطات البريطانية على الاعتراف بتحرير مدينة البوكمال في 5 أيار 1920 واعتبارها حداً بين العراق وسورية، ثم انسحبت بريطانيا ودخلت فرنسا لتبدأ سورية مرحلة نضالية جديدة ومنها محافظة دير الزور كباقي المحافظات السورية.
وحين دخلت القوات الفرنسية إلى دير الزور بقيادة ترانجا عن طريق منطقة البشري في آب عام 1921 بعد أن نسف البوسرايا كل الجسور المؤدية للمدينة، هاجم مجموعة من الثوار قافلة فرنسية على طريق حلب وقتلوا بعض جنودها، وبعد أن بسط الاحتلال الفرنسي هيمنته على دير الزور لقي ما لم يكن بالحسبان، فتفجرت على الضفة اليمنى للنهر ثورة البوخابور حيث قام مجموعة من الثوار في 16 أيلول 1921 بالزحف باتجاه المطار وقاموا بحرق الطائرات الفرنسية الجاثمة على الأرض، وفي الأيام الممتدة من 21 - 26 تشرين الأول 1921 شهدت الضفة اليسرى معارك عنيفة بين الثوار والقوات الفرنسية وكان أبرزها ثورة العنازة بقيادة حمود الحمادي الذي استشهد في المعركة التي بقي فيها الثوار يجابهون القوات الفرنسية المندفعة لاستكمال احتلال الضفة اليسرى، وفي عام 1922 حين قصف الفيلق الفرنسي المتحرك بقيادة (رينار) عشائر الشعيطات ثار الأهالي على الفرنسيين ولقنوهم درساً قاسياً، وقد قام أبناء مدينة دير الزور والريف القريب في عام 1924 بشن هجوم ضد قافلة فرنسية بقيادة الفرنسيين فانيير وفيسوكي وأوقعوا في صفوفها خسائر كبيرة وفي عام 1925 عمل سعيد العرفي على دفع القبائل للعصيان المدني انطلاقاً من مركزه في قرية عياش فكان قد نظم كميناً اغتال فيه 12 فرداً من جماعة الضابطين الفرنسيين فانيير وفيسوكي، وفي عام 1932 تفجرت ثورات عدة في البوكمال فتم اغتيال القائد الفرنسي شغاليه واعتبر الشيخ مشرف الدندل مسؤولاً عن اغتياله، وقامت في الميادين حركة عرفت (بدكة العبيد) حيث كان القتال فيها شرساً وتكبد الفرنسيون خسائر كبيرة فيها، كما قامت ثورة أخرى في قرية الكرية (القورية حالياً) القريبة من الميادين، وفي ليلة 28- 29 أيار عام 1945 كانت الثورة الكبرى في دير الزور حيث قامت تحركات على طول المحافظة وعرضها واشرأب القتال في كل بقاع الفرات فاستقلت البوكمال أولاً ورفعت العلم العربي ومن ثم الميادين وشهدت القرى والمدن والحواضر آلاف الشهداء الذين كتبوا بدمائهم ملحمة الجلاء بخروج المستعمرين من أرض الفرات.