وأينما اتجهت وذهبت ستسمع قصص البطولة التي تروي ملاحم المجد التي سطرها شهداء وأبطال الجلاء، حافزهم التضحية في سبيل حرية الوطن وصون الكرامة وطرد الغاصب.
معاني الجلاء عظيمة بعظمة الأحرار الذين ناضلوا ورسموا ملاحم البطولة بأجسادهم ودمائهم لتبقى بطولاتهم تتناقلها الأجيال، فالمناسبة غالية على قلوبنا جميعاً، فهي تحمل في طياتها تاريخاً طويلاً من النضال وتعني الطهارة من كل أشكال الدنس والعبودية والتخلف التي فرضها الاستعمار وحاول جاهداً النيل من كرامة الإنسان في بلدنا ولكنه فشل فشلاً ذريعاً بفضل المقاومة التي اشتعلت في كل شبر من أرضنا والتي تتجلى بها صور البطولة والنضال حتى نيل الاستقلال والحرية.
سيبقى الجلاء ذكرى خالدة في ضمائرنا لأنه يعني عيد الوطن لحظة تحرره من الاستعمار والسيطرة، فالجلاء قصة شعب ووطن كتبت عبر ثورات متلاحقة كان امتدادها ساحة بلدنا تحكي البطولة والتضحية وتتناقلها الأجيال عبر ملاحم الثوار في مقارعتهم للاستعمار وصولاً إلى الاستقلال والحرية، وفي يوم الاستقلال لا بد أن نتذكر باعتزاز يوسف العظمة وسلطان باشا الأطرش والشيخ صالح العلي وابراهيم هنانو وعبد الرحمن الشهبندر وحسن الخراط وغيرهم الذين سطروا الملاحم والبطولات رغم الامكانيات المتواضعة التي كانت متوافرة، ولكن إرادة الانتصار وحب الأرض كانت البوصلة في معاركهم على امتداد أرجاء الوطن.
جميع الشعوب تتحدث عن التحرر والحرية وتتغنى بهذه المعاني السامية وكل منهم يحاول أن يحمي سيادته بالطريقة الأقرب إلى صورة الحرية التي يتمناها لوطنه، فهي معيار وقيمة وهدف للتعبير عن تقديس الأرض وتقديم الدماء رخيصة لها للمحافظة على شموخ الوطن وتلوين أرضه بأزهى الألوان، فصون الحرية والحفاظ على طهارتها هي غاية كل شعب وكل أمة تجند أبناءها للمحافظة على ألقها وزهوتها، تلك حقيقة تعلمناها من تاريخ البشرية ونضالها في المحافظة على وجودها الحر.
إن النضال والتضحية في سبيل حرية الوطن يقع على عاتق ثوار أقسموا أن يتوحدوا مع ذرات ترابه بأجسادهم ودمائهم ليبقى شامخ القامة، قوياً، سيداً، حراً، أبياً يتغنى أبناؤه بأنشودة العظمة والكبرياء، وهنا يكمن سر العظمة في كيفية تجسيد عشق الوطن لواقع وفعل، وأيضاً هنا تكمن الروعة روعة الرجال الذين نستمد من ذكراهم أنشودة الوطن الخالدة ونفخر بذكراهم ونعتز بقدسية الجلاء، فهي المعيار الذي يذكرنا بتاريخ شعبنا العربي في سورية وكفاحه المرير والمديد أمام قوة استعمارية تحركها عربدة القوة والبطش هاجسها ونهب الخيرات وتمزيق الوطن، فالجلاء يعني الثورة والثوار هم الكبرياء أمام الضعف، تلك معان وقيم نستلهمها من عظمة الذكرى وعظمة الثوار الذين قدموا أغلى ما يملك الإنسان لوطنه ألا وهو الروح في سبيل ألق الوطن وتحرره، تلك معان تعلموها بالفطرة، فالدنس والذل لا يمكن غسلهما إلا بدماء الأحرار ليخلدوا ذكرى ملاحم الشرق ويعطوها قيمتها، هكذا كان ثوار الجلاء همهم كرامة الوطن وعزته، عانوا في سبيل ذلك الجوع والحرمان، تدافعوا لصون الحرية ببنادقهم العامرة بحب الأرض وحقد ورصاص على المستعمر، فالوطن عندهم هو الحياة والحياة هي الوطن.
فلكم يا أحرار الوطن يا شهداء الجلاء السبق في حياكة أجمل ثوب للوطن، ثوب الحرية والكرامة، ولكم يا شهداء الوطن كل الوطن زرعتم أنفسكم في رحمه لنراكم أينما اتجهنا في روابي أرضنا الطاهرة شقائق نعمان نصغر أمام عظمتها، وها هي الأوسمة تتراقص على صدر الوطن العامر بعزيمة أبنائه البررة المصممين على صنع الغد المشرق مهما كانت التضحيات، ودائماً التاريخ يسجل عزيمة الشعوب في دحر الاستعمار في أي زمان ومكان مهما عظمت قوته، وستبقى أرواح الشهداء هي الأنشودة التي نتغنى بها وننحني لها إجلالاً وإكباراً.