فكانت موقعة ميسلون بين طرفين غير متكافئين الأول مجهز بالعتاد والعديد والذخيرة وأحدث ما وصلت إليه آلة الحرب، والثاني رجال عاهدوا الله والوطن للذود عن حياضه وبذل الغالي والنفيس فقدموا الأغلى ورووا أرض الوطن بدمائهم الزكية ، فصارت رمزاً لمقاومة العين للمخرز وسجلوا ملاحم بطولية خلدتها كتب التاريخ وتفجرت ثورات مقاومة الاحتلال في كل رقعة من أرض البطولة والإباء فكانت ثورة الشيخ صالح العلي في الساحل السوري وجباله، والثورة السورية الكبرى بقيادة سلطان باشا الأطرش في الجنوب السوري، وخاض مقاومو دمشق أشرس المعارك في الغوطتين الغربية والشرقية بقيادة محمد الأشمر وآخرين هبوا لتحرير الأرض وتطهيرها من دنس المحتل، وفي الجولان هب أحمد مريود وأدهم خنجر ورفاقهما.
أما حلب الشهباء فقاد المجاهد ابراهيم هنانو فيها حركة المقاومة والنضال ضد المحتل الغاشم، وانتفضت جماهير الأمة في البقاع السورية كافة من أقصى الشمال حتى الجنوب ومن الغرب حتى أقاصي الشرق وعلى مدار ست وعشرين سنة استمرت شعلة مقاومة المحتل متقدة غذتها دماء أكثر من سبعين ألف شهيد، بذلوا دماءهم الزكية في سبيل أن تحيا بلدهم حرة مستقلة فكان الجلاء ثمرة نضال وجهد أينع استقلالاً وحرية فقطفت الأجيال اللاحقة نتاج الجهاد والمعارك البطولية المشرفة وعاشت في كنف التحرر، وعملت على بناء سورية الحديثة، لذلك يبقى الجلاء هو الدنيا وزهوتها.
نذكر فيه أمجادنا المعاصرة ومعاركنا نبتهج بذكرها وذكراها، ويتأكد فيه أن المستعمر ومهما طال احتلاله سيرغم يوماً ويندحر من الأراضي التي يفديها أبناؤها بالغالي والنفيس، ولا يبخلون في ريّها بالأطهر من الدماء ليفوح من جنباتها أريج البيارات وعطر الحقول التي طالما داعبتها نسائم الحرية، التي ما هبت لولا تضحيات أجدادنا وآبائنا، الذين أكدوا أنهم قادرون على انتزاع الحمق من حلوق سالبيه.
فتحية لصانعي الجلاء في يوم مجدهم الذي صنعوه وسطروا حكاياته بأحرف من ذهب في سفر الخالدين.