أربكت بعض المحللين السياسيين وأوقعتهم بحيرة,مفادها,هل ستنجح أمريكا وإسرائيل في لعبة الخداع الجديدة هذه?وهل اسرائيل حقاً تريد السلام أم أنه فخ جديد تنصبه للقوى الممانعة والمقاومة لتدب الخلاف والطلاق فيما بينها?وهل هي مقدمة لحرب أم لسلام حقيقي?
تلك أسئلة مشروعة أمام المواطن العربي يطرحها على نفسه وعلى قادته لعله يتلمس طريق الخلاص من هذا الواقع العربي المرير,الذي تعودنا فيه أن يقاتل ويواجه كل منا مصائبه ,ومشاكله وأعداءه منفرداً ونحن نتفرج عليه,بالأمس كان العراق وقبله الفلسطينيون ,واليوم لبنان وسورية والسودان ..إلخ.
ورغم أنه بدأت تلوح بالأفق ملامح مرحلة جديدة عن طريق ما يسمى بالمفاوضات من أجل حل القضية الأساسية في المنطقة على المسارين السوري والفلسطيني ,إلا أن قراءة تاريخ الصراع العربي الصهيوني الذي شهد العديد من هذه المفاوضات المتعددة الأنواع والتي استطاعت الولايات المتحدة والكيان الصهيوني اصطياد الكثيرين من خلال شباكها,خاصة أنه كثرت في الاونة الأخيرة الأقاويل والأحاديث عن انعدام الخيارات الأخرى أمام العرب,فأصبحوا كما يقال(لا حول ولا قوة لهم) أمام جبروت القوة العظمى والتمزق العربي الحالي,مما دعا اليائسين والميئسين ودعاة ما يسمى الواقعية إلى طرح شعار ليس بالإمكان أكثر مما كان متناسين أن للعدو نقاط ضعف كما لدينا سواء في الداخل أو الخارج.
وإن تاريخ أمتنا العربية قديمها وحديثها يشعرنا بأننا نملك خيارات كثيرة ولدينا قدرات كثيرة نستطيع من خلالها أن نقلب الطاولة حول المتحلقين حولها ونفرض إرادة شعبنا خاصة أنه تجدد الأمل عندما أطلق الرئيس بشار الأسد الصحوة العربية في مؤتمر القمة العربية العشرين في دمشق العروبة,فما زلنا نملك خيارات الدفاع عن أوطاننا ووجودنا,وشعبنا العربي جدير بالحياة وجدير بأن يرسم ملامح حاضره ومستقبله سواء بالمفاوضات أم بالطرق الأخرى رغم أن الولايات المتحدة بعد احتلال العراق أخذت تصعد من لهجتها بفرض حلولها على المنطقة بدءاً من الخيار العسكري أو بإحياء مشاريعها القديمة أم بالحصار الاقتصادي أو الاتهامات المزيفة فإذا كانت قديماً تلوح بالعصا والجزرة فهي اليوم تلوح بالعصا وبالعصا فقط.لكل من يخرج عن بيت الطاعة الأمريكي,فإذا كان التفاوض شكلاً من أشكال التسوية القادمة,فهل سيذهب السوريون إليها كما ذهبوا من قبل ,ما هي عوامل القوة التي يملكونها لتجعلهم مفاوضاً صعباً رغم اختلاف الظروف يمكن القول إذا كانت الحرب هي امتداد للسياسة بأشكال مختلفة فهذا يدل على أن الأساس هو السياسة ,وجوهر السياسة كما نعلم هو الحوار والتفاوض ومن هنا لهما الأولوية على الحرب والقتال لحل المشكلات بين الأطراف المتصارعة,والأمة العربية في صراعها مع العدو الصهيوني لم تلغ من حساباتها الحوار والتفاوض ,بل اتخذته كأسلوب هام لإعادة حقوقها من خلال طرحها لاستراتيجية السلام العادل والشامل ولكن لا قيمة للمفاوضات إذا كانت من أجل التفاوض فقط بل يجب أن يكون لها هدف وأسس ومنطلقات تستند إليها والعرب عموماً وسورية خصوصاً وضعت أساساً وهدفاً لهذه المفاوضات وهو الوصول إلى حل عادل وشامل للصراع العربي الصهيوني يستند إلى قرارات الشرعية الدولية وعودة الحق العربي كاملاً غير منقوص, وعلى هذا الأساس دخلت سابقاً في التفاوض مع المعنيين بهذا الصراع ,ومارست هذا الدور بشكل واضح وعلني وصريح ورفض أي نوع من أنواع المفاوضات السرية لأنها ليس لديها شيء تخجل منه وهي لن تفعل شيئاً تخجل منه,هذا ما فعلته في الماضي وهذا ما تفعله اليوم,وهذا ما أكده السيد الرئيس بشار الأسد,وكلنا يذكر أن الرئيس الراحل حافظ الأسد اتخذ قراره لصالح السلام منذ عام 1974عندما التقى الرئيس ?أثناء زيارته لسورية وأيام الرئيس كارتر وأثناء لقائهما في جنيف عام 1977 م وفي عام 1990اتخذ القرار شكله العملي عندما التقى الرئيسان الأسد وبوش الأب حيث وضعا أرضية للمفاوضات واتفقا على مبدأ الأرض مقابل السلام وكان مؤتمر مدريد الذي فشل فشلاً ذريعاً بسبب السياسة الإسرائيلية والتمييز الأمريكي الواضح لصالح الكيان الصهيوني.
وهنا يتضح لنا أن سورية كانت تصر على أن تكون هناك أرضية للمفاوضات وأسس وأهداف وهذا ما أكده اليوم السيد الرئيس بشار الأسد من استعداد سورية للمفاوضات ولكن على أسس ومبادىء وأهداف واضحة,وأن تكون علنية وبالتالي فسورية وهي تفتح أذرعها للتفاوض والحوار لا يغيب عن بالها أن من يفاوض من موقع الضعف ويذهب للمفاوضات فهو حتماً سيقدم تنازلات لصالح عدوه لأنه لا يملك القوة ,وتؤمن بأن عملية السلام هي حرب حقيقية,لأن في السياسة حين تتفاوض مع عدوك يجب أن تضع مسبقاً في كواليس مطبخك السياسي حدوداً للتنازلات فكل متفاوض لا يستطيع أن يقلب الطاولة ويذهب إلى الحرب هو متفاوض يعرف أنه جاء ليتنازل ويعترف ومن دون فلسفات أنه طرف ضعيف ,ومن هنا كانت مدرسة الرئيس الراحل حافظ الأسد في التفاوض تتميز بالمصداقية والوضوح والتمسك بالثوابت والمصلحة القومية والوطنية العليا وكلنا يذكر لقاءه مع الرئيس (كلينتون)وعدم موافقته على التنازل عن مئتي متر من الجولان لأن المسألة في نظره هي حق ,والأراضي المحتلة هي أراضينا لن نتخلى عنها, وهي كرامة ,والكرامة لا يمكن التنازل عنها.
فالمدرسة السورية في التفاوض والحوار تنطلق من أهداف وأسس واضحة ,وهذا ما أكده الرئيس بشار الأسد غير مرة,إن المدرسة السورية في التفاوض ,استندت إلى إرث كبير أرساه القائد الخالد حافظ الأسد ويمكن تلمس ملامح هذه السياسة بالآتي:
-الربط بين الاستراتيجية والتكتيك والذي يتمثل في القدرة على توفير العناصر الملائمة وعدم الجمود عند حدود معينة,والقدرة على الحركة والمرونة في ساحة واسعة,حدودها الإطار الاستراتيجي.
-الواقعية المبدئية التي تنطلق من الواقع دون أن تقبل به على علاقة ,وترسم آفاق المستقبل دون أن تبتعد عن الواقع وتطمح إلى التغيير في إطار النضال من أجل تحقيق الممكن إلى أقصى درجة تستطيع تحقيقها هذه السياسة.
المعركة لم تنته بعد والصراع ما زال في أوجه ,فإذا وقع الآخرون في شباك الصيادين فسورية بالتأكيد ليست طريدة كما يظنها الآخرون,وكما علمنا التاريخ أن الصهاينة لا يريدون سلاحاً إلا على طريقتهم ويخدم مصالحهم ومن هنا يمكننا القول:إن الصهاينة وسادتهم في واشنطن يريدون السلام الذي يصنع الحرب وليس السلام الذي يصنع السلام ,وبالتالي فخيار المقاومة وامتلاك القوة والحذر واجب اليوم ,وسورية شعباً وقيادة ومعها كل القوى العربية الشريفة تتمسك دوماً بالثوابت الوطنية والقومية,فلا تفريط ولا مقامرة بها ولا مساومة عليها ,وستبقى سورية كما كانت دوماً قلعة العروبة وبيت المقاومين العرب.
عضو اتحاد الكتاب العرب