وأظهر الاستطلاع نفسه أن الاميركيين لايعلقون الكثير من الآمال لتحقيق تطلعاتهم فنسبة 80 بالمئة من النخبة الحاكمة تسعى لخدمة مصالحها وليس لخدمة الشعب. هذا ما تبين فعلا في رد : - ديك تشيني- على سؤال مراسلة قناة آي-بي-سي نيوز الاميركية. - مارسا دارنز- عندما سألته عن موقفه تجاه استطلاعات الرأي التي أظهرت أن الأغلبية الساحقة من الأميركيين تعارض الحرب على العراق, فكان جوابه:( ما هذه الأهمية).
في الحقيقة, وصلت ادارة بوش إلى أبعد حدود التطرف القومي والمغامرة في الحياة السياسية بتجاهلها المطلق للرأي العام الأميركي ونتيجة لذلك, تعرضت إلى الكثير من الانتقادات التي لم تحصل من قبل, قد ينجح أحد المرشحين الديمقراطيين في إعادة الاعتدال إلى مسار السياسة الأميركية لكن هذا الاحتمال ضعيف, حيث لم يعبر أي من المرشحين الديمقراطيين أوباما أو كلينتون في تصريحاتهما عن (رفض أخلاقي لاجتياح العراق) وأشير هنا إلى رفض أغلب دول العالم لذلك الاجتياح أي ذلك الرفض النابع من فكرة أن العدوان هو جريمة أو بالأحرى:( الجريمة الدولية العظمى) وفقا لميثاق- نورمبرغ- وكان انتقاد المرشحين الديمقراطيين اوباما وهيلاري الحرب على العر اق انطلاقا من التكاليف الباهظة التي تطلبتها والفشل الذي انتهت إليه.
ويعتبر هذان العاملان- سببين واقعيين- للتنديد بالحرب وهو موقف يوصف بالجدي والعملي في اطار الجرائم التي يقترفها الغرب.
لقد اتضحت نوايا بوش وبالتالي ماكين المرشح الجمهوري في إعلان المبادىء الذي وقعته الادارة الاميركية في تشرين الثاني من عام 2007 مع الحكومة العراقية المدعومة من أميركا والذي يسمح ببقاء القوات الاميركية في العراق إلى أجل غير محدد بحجة ( ردع أي اعتداء أجنبي) علما أن الاعتداءات على المنطقة هي من أميركا واسرائيل وليس العكس تماما. وبخصوص ايران يعتبر أوباما أكثر اعتدالا من هيلاري في إطار الملف الايراني وشعاره الرئيس هو التغيير.
إذ يطالب باستعداد أكبر من الجانب الأميركي للمفاوضة مع طهران. وصرح بأنه قد يعلن عن منح محفزات اقتصادية لإيران ويتعهد بعدم السعي إلى ( تغيير النظام) في حال تعاونت ايران بقضية الملف النووي. لكن في هذا الشأن, تطرح بعض الأسئلة البديهية نفسها, مثل: ماذا سيكون رد فعلنا إذا صرح الرئيس الايراني أحمدي نجاد بأنه قد يتعهد بعدم السعي إلى (تغيير النظام في اسرائيل إذا أوقفت هذه الأخيرة نشاطاتها غير الشرعية في الأراضي المحتلة وتعاونت في قضية الارهاب والملف النووي)?
إن مقاربة أوباما المعتدلة تلاقي صدى ايجابيا إلى حد ما في الولايات المتحدة , ولاسيما لدى شريحة الناشطين من الرأي العام وهو واقع لم يسترع انتباه الكثيرين, وكغيره من المرشحين استخدم أوباما عبارة جميع الخيارات مفتوحة أي تهديد ايران بشن هجوم عسكري عليها وللتذكير فإن عبارة (إبقاء كافة الخيارات مفتوحة) تشكل انتهاكا لميثاق الأمم المتحدة وفي الحقيقة فإن أغلبية الأميركيين لاتوافق على شن امريكا حرباً على إيران, وبالفعل تؤيد نسبة 75 بالمئة من الذين شاركوا في استطلاعات الرأي تحسين العلاقات مع ايران بينما أيد فقط 22 بالمئة فكرة التهديدات الصريحة وفقا لبرنامج تقييم الرأي العام بخصوص السياسة الدولية ونتيجة لذلك, فإن اوباما وهيلاري لايؤيدان موقفا يتبناه 75% بالمائة من الرأي العام بخصوص الملف الايراني. إن آراء الأميركيين والإيرانيين بخصوص القضية الرئيسة المتمثلة في السياسة النووية شكلت دراسة معمقة. ففي البلدين يرى الكثير من السكان أن ايران يجب أن تحصل على الحقوق نفسها التي يتمتع بها أي من موقعي معاهدة عدم انتشار الاسلحة النووية وهذا يعني أنه يجب السماح لإيران بتطوير الطاقة النووية وليس الاسلحة النووية وتؤيد الشريحة نفسها في اميركا فكرة انشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية تشمل اسرائيل والدول الاسلامية. وتؤيد نسبة 80 بالمئة ازالة الاسلحة النووية بشكل كامل من المنطقة لكن إدارة بوش تعمدت رفضه رسميا.
وحتى أجهزة الاستخبارات الاميركية ترفض شن اميركا حربا على ايران لأنها توصلت في تقييم استخباراتها القومي إلى ان إيران لم تكمل أي برنامج لتطوير الاسلحة النووية منذ عام 2003 عندما سعت إلى التوصل إلى تسوية شاملة مع الولايات المتحدة لكنها فشلت.
وحتى تخدم الولايات المتحدة مصالحها بشكل أفضل من خلال تلاقيها مع الرأي العام الاميركي والرأي العام في باقي دول العالم يجب أن لايبقى هذا الرأي العام لديها متجاهلا ومهمشا وأن تقلع عن سياسة التشدد والغطرسة.
2008/5/13