وشكل هذا مؤشراً فاضحاً على تراجع النفوذ الأميركي على الحليف الإسرائيلي على أقل تقدير, حتى إنها لم تنأى بنفسها عن تلقي الصفعات والإهانات لشخصها, حيث وحينما أسفت على توسيع المستوطنات الإسرائيلية أمر في الحال رئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود أولمرت ببناء مساكن جديدة, وطائرتها بالكاد كانت تقلع من مطار بن غوريون , وتلك إهانة بحق.
وحق القول إن أي وزير خارجية أميركي لم يكرس وقتاً وجهداً لإيجاد حل للصراع الإسرائيلي الفلسطيني إلا وخرج بنتائج متواضعة ويبدو هنا أن السيدة رايس حاولت التوصل بأي ثمن كان إلى تقدم ولو بسيط في مسألة هذا الصراع قبيل زيارة الرئيس الأميركي إلى (إسرائيل) للاحتفال بالعيد الستين لتأسيسها,ولكن وكما أشار الرئيس الفلسطيني محمود عباس عقب لقائه الأخير في واشنطن مع الرئيس بوش (لم يتم إحراز أي تقدم حتى الآن).
ومن ما زال يتذكر لابد وأن يجري مقارنة بين عجز كونداليزارايس وبين الجولات التي قام بها وزير الخارجية الأميركي الأسبق جيمس بيكر إلى أطراف النزاع للتحضير لمؤتمر مدريد عام 1991 والذي تمخض عنه مسار السلام منذ 17 عاماً.
والسؤال: لماذا كانت زيارات رايس عقيمة دون جدوى?طبعاً يقع الجزء الأكبر من المسؤولية على الرئيس بوش الذي لم يمنحها الوسائل ولا السلطات للتصرف بشكل حاسم والسبب الأكبر في ذلك هو أنه يتحكم على نحو غير سوي بتلك المسألة, وهو الذي يخضع كاملاً إلى نفوذ وتأثير عدة جهات منها نائبه ديك تشيني أوإليوت إبرامز المكلف بمنطقة (الشرق الأوسط )في وزارة الخارجية والعديد من ضغوط اللوبيات وبنوك الأفكار في واشنطن الذين يقومون بدور المحامي المدافع عن إسرائيل, حتى يبدو أن الزمن الذي كانت تلعب فيه الولايات المتحدة دور الوسيط النزيه قد ولى إلى غير رجعة, ويتجلى التناقض الصارخ في أن الرئيس بوش يدعو ويجاهر بضرورة التوصل إلى اتفاق سلام إسرائيلي فلسطيني قبيل نهاية هذا العام وبنفس الوقت يرفض التدخل لدى (إسرائيل) لإتاحة الفرصة لتحقيق هكذا اتفاق, وحينما سأل أحد الصحفيين الوزيرة رايس خلال زيارتها الأخيرة إلى (إسرائيل) فيما إن كانت ستمارس ضغطاً على (إسرائيل) بما يتعلق بالمستوطنات أجابت بأن القضية ليست ممارسة ضغوط وإنما حلول للمشكلات, وهنا يمكننا أن نتساءل جدياً كيف تعول على الوصل إلى غاياتها دون امتلاكها الوسائل الكفيلة, وفي ظل غياب كل ما يمكن أن يشكل ضغطاً أميركاً أو يشابهه فإن (إسرائيل) ستواصل بناء المستوطنات في الضفة الغربية والقدس الشرقية كما ولن تعمل على تفكيك أي من مستوطناتها العشوائية في الضفة, ولن تقلع عن اعتداءاتها العسكرية على المدن والقرى الفلسطينية ولن تطلق سراح أي من الأسرى الفلسطينيين البالغ عددهم 10 آلاف أسير, ولا رفع أي حاجز من ال 500 حاجز والتي حولت حياة الفلسطينيين جحيماً ومستحيلاً , وكذلك سوف تستمر في حصار غزة.
وفي نفس الوقت أغفلت إدارة بوش وبشكل فاضح المسائل الأساسية في الصراع وهي الحدود النهائية لإسرائيل وحدود الدولة الفلسطينية المزمعة أو مسألة عودة اللاجئين والوضع النهائي للقدس وأي زعيم فلسطيني لا يمكنه أن يوقع على معاهدة مع (إسرائيل), إذا لم تنص على السيادة الفلسطينية على الحرم القدسي.
بالإضافة إلى الضغوط المفروضة من قبل قوى داخلية في الإدارة الأميركية ثمة أسباب أكثر خصوصية في فشل مساعي رايس. خطأها القاتل هو أنها حددت أهدافاً جداً متواضعة فبدلاً من أن تعمل على إيجاد تسوية إسرائيلية - فلسطينية شاملة تعلقت بالبحث عن اتفاق بين شخصين فقدا الكثير من قاعدتيهما الشعبية وتلك الأهداف المحدودة كافية لتحكم بالفشل على مساعي رايس.
ولا أحد يحتاج إلى خبرة لكي يدرك أن السلام لا يمكن أن يتحقق في منطقة »الشرق الأوسط) دون مشاركة سورية وحماس, ومع ذلك تدافع رايس عن سياسة تعتمد فيها على استبعاد أي اتصالات مع سورية وفرض عقوبات عليها وعزلها إلى جانب معاملة حماس المنتصرة ديمقراطياً في انتخابات عام 2006 »كمنظمة إرهابية) . وبدلاً من أن تفتح السبيل لمصالحة بين الأفرقاء الفلسطينيين وهو الشرط الأساسي لإحراز أي تقدم جدي باتجاه السلام عملت على تعميق الشرخ بينهم, راعية الوهم الإسرائيلي أن حماس بهذا سوف تركع بالقوة ويبدو أنها لم تدرك بعد أنها باعتمادها لغة يستخدمها مسؤولو الأمن الإسرائيليين فإنها أفقدت الولايات المتحدة مصداقيتها في نظر الفلسطينيين والعرب ونزع عنها صفة الوسيط المقبول.
والأخطر من هذا وذاك هو عجزها في إعطاء فكرة عن الرؤية الأميركية لتسوية إسرائيلية فلسطينية, والجانب الأكثر غرابة في دبلوماسية رايس هو عدم بحثها في الحصول على تفاهم راسخ أو تعهد أو التزام بين الطرفين المتنازعين يحدد الوعود والاستحقاقات الزمنية. ولا ننسى الضرر الفادح الذي تسببه جورج بوش للعالم العربي وللولايات المتحدة من خلال شنه الحرب على العراق, ويلزم سنوات عديدة لإصلاح ما أفسده, ويولد في لحظة ما وميض أمل حينما كان يبحث, تساعده رايس في استعادة مصداقيته من خلال تصميمه على تسوية الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي, ودعا إلى إقامة دولة فلسطينية ولكن دون العبور من القول إلى الفعل الحاسم يظل الكلام لا جدوى منه.