كانت البداية مع السيد وزير المالية..
في وزارة المالية, تتقاطع أعمال وخطط الوزارات, ويمكن لأي وزارة الزعم بأن تأخير العمل في خططها يعود إلى وزارة المالية, ويمكن للمواطن أن يتهم وزارة المالية بأزماته المعيشية, وضعف راتبه, لأن من يمسك بمهمة (بيت المال) تاريخياً يبدو المسؤول, لهذا كانت وزارة المالية دائماً وعلى مدى عقود في موقع المتهم.
السيد وزير المالية ينفرد عن وزراء المالية الذين سبقوه أنه أقلهم في مرمى الاتهام, على أي حال, حاول السيد وزير المالية في جلسة مجلس الشعب يوم الاثنين في 19/5/2008 أن يصحح الأفكار التي تحمل الاتهام إلى وزارته, فبدأ حديثه بما يلي: (يجب أن نتفق على دور وزارة المالية, فالوزارة لها مهام محددة تتصل مع وزارات أخرى, ويستطيع أي مسؤول في الدولة أن يعزو أي مشكلة في أي وزارة إلى توفر الموارد المالية.
وزارة المالية مسؤولة عن جانبين (النفقات, والإيرادات) وكثيراً ما نسأل عن الإنفاق دون السؤال عن الإيرادات, ولكن يجب السؤال عن الإيرادات, والتي تأتي من ثلاثة مصادر (الضرائب والرسوم, الفوائض الاقتصادية, الإيرادات النفطية) ويتابع السيد وزير المالية: (الإيرادات النفطية مصدر متناقص نظراً لتناقص الإنتاج, من 600 ألف برميل عام 1996 إلى 370 ألف برميل عام ,2007 نستورد 55% من احتياجاتنا النفطية).
عرض وزير المالية أرقاماً عن العجز في الميزان النفطي وعن الإيرادات النفطية, وكيف انخفضت من 50% إلى 20% من الناتج المحلي عام 2007 إلى 7% في الوقت الحاضر.. وأشار إلى أسباب الزيادة في الاستيراد من مادة النفط بالقول: (إضافة إلى انخفاض الإنتاج, لدينا أكثر مليون ونصف المليون عراقي, مع وجود التهريب إلى البلدان المجاورة بسبب فرق الأسعار الكبير, في تركيا يباع ليتر المازوت ما يعادل 120 ل.س, تستورده ب 50 ل.س والباقي يجبى كرسوم, نحن في سورية ندعم المواد النفطية بإعفائها من الرسوم).
حديث السيد الوزير عن التهريب يدفعنا إلى أن نسأله, ونسأل الحكومة:
(كيف يمكن أن تبرر الحكومة عجزها عن وقف تهريب النفط?! كلام الحكومة طويل وموجع عن التهريب, هل باتت قوى التهريب أقوى من الحكومة?!).
تحدث وزير المالية عن موارد الخزينة من القطاع العام, فأشار إلى وجود 260 مؤسسة وشركة حكومية منها 12 شركة ومؤسسة تورد إلى الخزينة قرابة 90 مليار ل.س ذكر منها »الاتصالات, النفط, التبغ, الاسمنت, المصارف, حلج الأقطان, مؤسسة التأمين) وألمح إلى وجود مؤسسات لم تستطع أن تؤمن الرواتب لعمالها.. ودعا إلى دعم القطاع العام وتفعيله, ليتحول من قطاع يشكل عبئاً على الدولة إلى قطاع منتج لأكثر من سبب »اقتصادي وسياسي واجتماعي ومالي) وليكون رافداً للخزينة وليس عبئاً عليها.
هنا أتوقف من جديد لأسأل السيد وزير المالية, والحكومة التي عادت للحديث عن القطاع العام »لماذا لا يتم السؤال عن فشل القطاع العام? من المسؤول عن فشله في الماضي, هل العلة في القطاع العام كنظام اقتصادي أم في الممارسة التي احتضنتها جهات ساهمت بما حصل? أسئلة تحتاج إلى إجابة صادقة وواضحة.. لا يتم البحث عن أسباب فشل هذا القطاع الذي تتمركز فيه كل أمراض الاقتصاد المتخلف, من غياب القيادات النظيفة والمؤهلة, وانتشار المحسوبية والوصاية, والافتقار إلى الكوادر الفنية وبرامج العمل المتطورة, إلى الحاجة إلى مكافحة الترهل والفساد, ووجود المحاسبة الجادة على ضوء الخطط والبرامج والأهداف المقررة ليس على ضوء المزاجية, أو التقارير التي تنشط في هذه الأيام بحق الذين يريدون أن يعملوا فتواجههم العناصر الرديئة بالتقارير ووضع العصي في العجلات?!).
منذ سنوات وأمراض القطاع العام تكبر دون معالجة, وكأن بعضهم أراد ذلك لإيجاد المبرر للإجهاز عليه نهائياً, القطاع العام النظيف الناجح يشكل الضمانة للفقراء والضمانة للممانعة السورية في وجه المشاريع التي تستهدفها.. وهو في زمن باني سورية الحديثة.
نعود إلى حديث السيد وزير المالية, فقد تحدث بإسهاب عن الضرائب والرسوم, وطالب باستخدام كل الوسائل بحق المتهربين من الضرائب, لأنه لا يوجد أمام وزارة المالية موارد سوى الضرائب والرسوم طالما أن الفوائض النفطية في انحسار وكذلك فوائض الشركات والمؤسسات, فهو يرى أنه من الضروري تحقيق نمو في الجباية يصل إلى 10% لتحقيق معدلات نمو تصل إلى 10%, وأعترف بوجود ضعف وفساد في الجمارك العامة, والوزارة تعمل على أتمتة العمل في إدارة الجمارك لتقلل من تدخل العنصر البشري.
وقال: »ليس في نية الحكومة فرض ضرائب جديدة, حتى القيمة المضافة ستكون في إطار نص تشريعي, والضرائب لن تشمل المواد الغذائية والأساسية لجماهير شعبنا, وسنحدد مستقبلاً الحد الأدنى والأعلى على ضريبة الدخل في الرواتب والأجور).
أعضاء مجلس الشعب بعد ما قدمه وزير المالية, قاموا بطرح أسئلتهم ومداخلاتهم, لم يتركوا شاردة أو واردة إلا وسألوا عنها, وقد وصف السيد رئيس مجلس الشعب ذلك بالقول التالي: »الجلسة كانت من أجل بحث خطة وزارة المالية, فتحولت إلى جلسة »فشة خلق) حول الأسعار, وحول الحاصلات الزراعية).
ولأن مساحة الزاوية لا تتسع لعرض أسئلتهم ومداخلاتهم, سأكتفي بذكر الأسماء »حماد السعود, أحمد الشيخ, سري حداد, فادية ديب, عبد العزيز معقالي, نعمان حمود, علي العلي, عبد الله الخليل, هدى مليحي, عبد الرزاق الدرجي, عماد غليون, فجر عيسى, عبد الرحمن عيسى).
رئيس مجلس الشعب الدكتور محمود الأبرش قال في الختام: »باسمكم سأطرح أسئلة تتناول عمل الوزارة: متى يستطيع المواطن السوري التوجه إلى مصرف سوري على السوية الدولية, ومتى يمكنه أن يتعامل مع مصرف حضاري, كيف يمكن التعامل مع مصارف دولة متطورة, بحيث لا نضطر إلى التعامل مع المصارف الخاصة, لدينا مصارف دفعنا عليها دم قلبنا منذ سنوات عديدة?! وأريد أن أعرف متى ستتحول مؤسسة الجمارك إلى مؤسسة فاعلة تقضي على التهريب, ما خطة الوزارة لإيصالنا إلى إدارة جمارك نزيهة وإلى موظف جمركي نزيه لإيقاف التهريب, ومتى تتغير طبيعة العلاقة بين موظف المالية والمواطن, فالعلاقة القائمة علاقة من جانب واحد, علاقة إذعان, فالموظف يفرض, كيف تصبح العلاقة بين المواطن وموظف المالية متوازنة وعلى أسس حضارية?!
السيد وزير المالية وصف أسئلة رئيس المجلس بالقيمة, وقال: »إن خطة عملنا تسعى لتقليل الاحتكاك بين موظف المالية والمواطن, نحاول إبعاد التدخل الشخصي والمزاج الشخصي, لدينا الدخل المقطوع نحاول الوصول إلى أسس تقدير الضريبة على الأطباء والمهندسين).
تدخل رئيس المجلس بالقول: »نتمنى حلاً فورياً, لا نريد موظف المالية أن يحدد لطبيب كبير أو لمهندس كبير الضريبة كما يشاء).
رد السيد وزير المالية: »كل طبيب أو مهندس يرغب في تسجيل اسمه في سجل كبار المكلفين لا يذهب إليه موظف المالية, ثمة قسم خاص بكبار المكلفين يمكنه التعامل معه بشكل مباشر, موجود في دمشق وسنجد له فروعاً في المحافظات).
وعن المصارف قال: »ربحت المصارف في عام 2006 حوالي 26 ملياراً, وفي عام 2007 حوالي 31 ملياراً, هناك تطور في العمل والأساليب, نتقدم نحو الأتمتة, والمواطن يرغب التعامل مع القطاع العام, مصارفنا الحكومية تدرك أن هناك منافسة, وإذا أنجزنا موضوع الأتمتة ستزداد أرباحها).
وأخيراً أشار السيد وزير المالية إلى عزوف المقاولين عن تنفيذ المشاريع بسبب زيادة الأسعار, فقال: »هناك لجنة ستأخذ على عاتقها زيادة قيم المشاريع التي تنفذ), وأشار إلى ميله لتمويل العجز بسندات الخزينة لأن التمويل بالعجز يؤدي إلى التضخم والتمويل الخارجي له محاذيره. وأشار إلى قرب انتقال سوق الأوراق المالية إلى مبنى جديد, وأن التمويل سيتم من قبل الحكومة السورية وليس عن طريق دولة أخرى.
النافذة القادمة مع »وزير النفط, والكهرباء والري).