تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


بيــن الورقــي والالكترونـــي.. مازلنـــا نحــــن..؟

ثقافة
الأربعاء 14-1-2015
سعاد زاهر

حين فقد كثر منا مكتباتنا الورقية، كان فقدان لايضاهيه اي فقدان اخر، شعرنا بالخواء الروحي، كتب كثيرة قرأناها أعادت تشكيل شخصياتنا، من دونها لسنا إلا مجرد اشباه بشر.. !

مكتباتنا ليست مجرد كتب نفتقدها في لحظات كثيرة، هي ذاكرتنا الثقافية، كيف جعلتنا اولى الروايات نتورط بعالم الثقافة، ولا نستطيع مغادرته، مع رواية ارنست همنغواي الشيخ والبحر، تعلمنا كيف نصارع مخاوفنا، ومع فيكتور هيغو، لم نتمكن بعد بؤسائه من نسيان هذا العالم المشبع بالظلم والقهر..‏

مع ميشيل مونتين التقطنا كيف يمكن للفكرة أن تصبح نمط حياة، من منا ينسى عبارته الاثيرة (لاشيء يرسخ الاشياء في الذاكرة كالرغبة في نسيانها) او جملته (أصعب معركة في حياتك عندما يدفعك الناس الى ان تكون شخصا آخر).‏

لطالما اعتقدنا في طفولتنا، عندما كنا نمر مرورا طفوليا على هذه العوالم الروائية أن لاشيء في الحياة يمكنه أن ينافس روعة هذه العوالم.. واي خذلان حين اكتشفنا كيف انها لاتمت للواقع بصلة، وكيف أن قناعتك بها، تدفعك دوما لأن تحيا حياتين.. !‏

حين اتت حربنا المجنونة لكي تقتات من كل شيء، ولتضيع لنا كل شيء.. !‏

كانت مكتباتنا اولى الضحايا، أليست أهم ما نحرص على وجوده في منازلنا ؟‏

كأنها حرب أتت فقط لتقضي على عوالمنا النيرة، على كل ما من شأنه أن يمد يده ليأخذك نحو النور، ترتبط الحروب دوما بعالم مظلم، دماره لانهائي، وأي ظلام أفظع من بشر لا يمدون أيديهم نحو الكتاب.. الا ليسرقوا كل ما حوله.. !‏

بعض خسائرنا لاتعوض. ؟ وسيبقى حزننا مقيماً.. ولكن لابد من بدائل.. في حال المكتبات الورقية.. أتت البدائل.. كتب لا نحتاج إلى شحنها، تخلصنا من خوفنا عليها، حتى لو اضعنا تلك الأداة الصغيرة (الفلاشة، او حتى التاب..) مثلا.. فإنه يمكننا بسهولة العودة إلى مصادرها.. لنعيدها مجددا... مؤخرا امتلأ عالم النت بمواقع الكترونية تنشر يوميا كتبها القيمة، لايمكن أن يغيب عنها كاتب.. صحيح أنها أوقعت دور النشر والمكتبات في ورطة، لأن القارئ، ربما أصبح بإمكانه الاستغناء عنها جزئيا، إلا أنها قدمت خدمة كبيرة لعالم الثقافة اولا، من خلال إتاحة كل هذ الكم من الكتب.‏

معها انتقلنا من الورقي إلى الكتاب الالكتروني، وصاحب هذه النقلة تبدل لعادات القراءة،‏

عادة كنا نقرأ حين نكون مسترخين في منزلنا فوق كرسي.. نقلب الصفحات وقد نعود اليها، ثم عندما ننتهي كنا نترك الكتاب ليقبع على أحد رفوف مكتبتنا وحين كانت تتعدد أمكنة الرحيل كنا نوضبها، نحزمها، ونلفها، استعدادا لفتحها مجددا في منزل سيكون له تاريخ طويل مع غبارها...‏

اليوم مع مكتبتنا الالكترونية، كل طقوسنا تبدلت، يكفي أن تمتلك إحدى الشاشات لمسح غبار شاشتها بين فينة وأخرى وتخرج بين طياتها ماتعجز عنه أعتى المكتبات... ليس انتقاصا من تاريخها معنا وليس قلة وفاء منا.. ولكن واقع جديد بات يفرض معطياته.‏

ها نحن في طور تكنولوجي مختلف، يمرر كيفما يشاء عقوده.. هانحن في زمن.. لاتكفي أبعادنا الفكرية لاستيعاب كل مكوناته.؟.‏

لايمكنك بسهولة أن تتخلى عن عالم القراءة خاصة في أوقات الأزمات..‏

وحدها القراءة تعيد شحن روحك و تعينك.على الخروج من عمق مصابك.. ولكن بين الكتاب الورقي والالكتروني لإنزال نمتلك فكرا قاصرا، ووعيا سطحيا، وروحا عفنة..‏

لانزال نقتات كرها.. !‏

مع مكتباتنا الالكترونية نسينا تلك الورقية التي فقدناها، ونسينا ملمس اوراقها، وهانحن مع عالم جامد، انتقل جموده إلى قلوبنا وأرواحنا.. نحتضن شاشاته بحنين لامتناه وكأننا من صنعها.. !‏

soadzz@yahoo.com

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية