عاصفةُ الإرهاب والرحيل الأوروبي
متابعات سياسية الأربعاء 14-1-2015 عند سقوطِ النظام الأكليروسي في أوروبا، وظهورِ الدولةِ بالمفهوم الرأسمالي العلماني على الأسس القومية تغيّر في منظومةِ الدولةِ الأمةِ التفكيرُ الحقوقي ليصبحَ تابعاً لقوى النفوذِ الاقتصادي في الدولة المعنية،
وأصبحتْ البراغماتية التي أتى بها هؤلاءِ تتفرّغ من الجانب أو المحتوى الأخلاقي شيئاً فشيئاً حتى قُدِّرَ للرأسمالية التي ادعتْ بأنها قادمةٌ بمفاهيم الحرية، والمساواة، والإخاء أن تخون هذه الأهداف، وتُدْخِلَ العالمَ في تصوّر جديدٍ يقوم على مناطقِ النفوذِ، واشتدادِ الصراعِ العالمي حولها، وبدأتْ الحروبُ من الصليبيةِ حتى اليوم. بل إنه لَأَمرٌ من طبيعةِ البنيةِ الأخلاقيةِ للنظام الرأسمالي الإمبريالي الدولي أن لا يَرَى الحقَّ باللغةِ الأخلاقيةِ، بل يراه باللغةِ الاقتصاديةِ، وسياساتِ توزيعِ مناطق النفوذ. وحين ظهرتْ الصهيونيةُ تمكّنتْ من التسلّلِ إلى مراكزِ القرارِ الأوروبية، ومن ثم الأميركية لتسخّرَ هذه اللا أخلاق في السياسةِ، والأهدافِ لمصالحها، ولم تزلْ قادرةً على هذا التسخيرِ حتى اللحظةِ التي وصل بها نتنياهو إلى باريس ودعا في الحادي عشر من هذا الشهر يهودَ فرنسا إلى الهجرة إلى كيانه الصهيوني كأهم مركزٍ عالمي خالٍ من إرهابِ داعش, والنصرة، والوهابية باعتباره المُصَنِّعَ، والمُموِّلَ والمُسلِّحَ للإرهاب الدولي. ومع أن بقايا الأنفةِ الفرنسيةِ قد ردَّتْ عليه لكنَّ المجتمعَ الدولي اكتشفَ كم تَمْلِكُ إسرائيلُ من الوقاحة في التعاملِ مع قادة القارة العجوز؛ وكذلك مع رئيس أكبر دولةٍ إمبريالية أوباما. في باريسَ يجتمعُ العديدُ من قادةِ العالمِ ويُكرهونَ على الخروجِ من الثوابت اللّا أخلاقية في السياسات الإمبريالية المتصهينة، ويقرّون جميعاً بالجريمة ضد الإنسانية حين يُقتل مواطنون إفرنسيون؛ لكنَّ الأحمرَ القاني عند أطفالِ سورية يجب أن يُهرقَ في مدارسهم ولا يَرِفُّ للذين اجتمعوا على مبكى تشارلي أيبدو جفنٌ، أو تدمعُ لهم عينٌ!
مسيرةٌ مليونيةٌ تناهضُ الإرهابَ في باريس، وتصبحُ باريسُ عاصمةَ التعاطفِ العالمي؛ وباريسُ ما تزال تموِّل الإرهابَ في سورية، والعراق؛ ولا تخجلُ من مساءلةِ العقلِ الدولي الحكيمِ لها كيف تواصلُ المكاييلُ المتعدّدة والثابتَ الأهمَّ في اللّا أخلاقِ السياسية الفرنسية عندما لا تُعيدُ النَّظَرَ، وتتوخّى أخلاقيةَ الحقيقةِ؟ نعم إن القادة الأوروبيين أصبحوا في حَرَجٍ كبيرٍ أمامَ شعوبهم، فهم لم ينجحوا بتدميرِ سورية بواسطة الإرهاب الدولي، ولم يَنْفُذُوا بضمانِ أمنهم ومكامنِ استقرارهم، وقد سَقَطَتْ دعواتُهم من أجل الحرية حين استخدموا الإرهابَ الوهابيَّ للوصول إليها عند العرب، ثم تفاجؤوا بأنه يَضْرِبُ عندهم، فَهُمُ الدولُ الأكثرُ استبداداً، وهاهو الإرهابُ الدوليُّ يُعِيدُهم بالدّمِ إلى فضاءِ الحريةِ فهل يعلمون أين أخلاقُهم من تحوّلات السياسة؟!.
|