لا أدري كيف تسلل هذا الفتور العاطفي إلى حياتنا التي أصبحت برودتها
قريبة من برودة القطب الجنوبي رغم أننا تزوجنا بعد علاقة حب عاصفة في أيام الجامعة لكن يبدو أن انشغال كل منا بمتابعة دراسته وعمله قد وسع الهوة شيئاً فشيئاً بيننا حتى وصلنا إلى هذه الحال التي نحن عليها, وإن جمعتنا ساعات قليلة في المنزل فهي مشغولة بالأطفال وأنا مشغول بمتابعة الأخبار وقراءة الصحف.. كلمات قليلة فقط قد يتلفظ بها أحدنا في بعض الأحيان لتذكير الآخر بوجوده حتى علاقتنا الجسدية أصبحت كالواجب أو ما يسمى رفع العتب فقيرة بحرارة المشاعر التي عشناها في بداية زواجنا.
ويتابع السيد أحمد: أصدقك القول إننا نجلس أحياناً وفي عيني كل منا يلوح تساؤل لماذا? لماذا وصلنا إلى هنا? ما السبب وكل منا يحاول البحث في عيني الآخر عن الإجابة دون فائدة حقاً نتمنى الخروج من هذا الوضع أفكر أحياناً في الطلاق كحل نهائي لمشكلتنا لكن ما يجعلني أتراجع أطفالي الثلاثة الذين لا ذنب لهم والذين نخاف عليهم من تبعات الطلاق الخطيرة التي قد تجعلهم يضيعون بيننا وهذا ما لا أتصور أن يحدث أبداً لذلك سأصبر ما استطعت من أجلهم.
(س-ن) صحفية: تزوجت منذ عشر سنوات كنت حينها في السادسة عشرة من عمري كان يكبرني بأكثر من عشرين سنة حيث لم أستطع إلا أن أخضع لرغبة أهل نسوا أني ابنتهم ورموا بي إلى عالم لم أجد فيه سوى التعاسة والشقاء, فمنذ الأسبوع الأول لزواجنا بدأت المشكلات والمشاحنات لفتاة لم تدرك النضج بعد ورجل يريدها كاملة ومنصاعة لكافة رغباته وأوامره وحتى أنه أراد أن يفرض علي أسلوباً معيناً للتفكير والحركة داخل مجتمعنا الذي نعيش به.
تتابع السيدة (س-ن): رغم صغر سني كنت أفكر بطريقة هادئة أردت من خلالها بناء حياة زوجية حقيقية قائمة على التفاهم والتناغم الروحي إلا أنني في كل مرة كنت أصطدم بالعديد من الحواجز ورغم كل ذلك كنت أقول في نفسي مع دوام العشرة سيتحسن كل شيء وفعلاً بدأت الأمور تستقر شيئاً فشيئاً وأنجبت طفلين إلا أنه وبمرور الأيام كان كل منا يبتعد عن الآخر شيئاً فشيئاً فرغم اختفاء المشاحنات والشجارات إلا أن خصاماً نفسياً من نوع آخر بدأ يتسلل إلى حياتنا حتى أن السلام كنا ننطقه بصعوبة فيما لو قابل أحدنا الآخر حتى أنني في بعض الأحيان كنت أتمنى ألا يعود أبداً إلى المنزل ووصلت الأمور إلى انقطاع العلاقة الجسدية بيننا نهائياً وكل منا كان ينام في غرفة منفصلة عن الآخر إلى أن اكتشفت يوماً أنه تزوج من أخرى في نفس سنه وأصارحك بكل صدق بأنه لم يهتز لي جفن عندما علمت بذلك لأنني لم أكن أملك في داخلي تجاهه أية مشاعر بل وبررت له ذلك بتقصيري معه واتفقت معه أن يبقى زواجه سراً لأسباب تتعلق بالأطفال الذين لا أريد للحظة أن يشعروا بأن والديهم منفصلان ويعيشان حياة غير سعيدة فنحن أمام المجتمع وأطفالنا أسعد زوجين لكن مسافات شاسعة تفصل بيننا تتجاوز المسافات بين المجرات في الفضاء وأنا الآن لا يمكن أن أفكر للحظة بالطلاق والاقتران مرة أخرى بالرجل الذي أعتبره سبب تعاستي في هذه الدنيا فالحقد الذي بت أكنه للجنس الآخر يجعلني بعيدة عن هذا التفكير.. توجد أشياء كثيرة مفيدة وجميلة في هذه الحياة يمكن لها أن تشغلني عن التفكير بالرجل أحاول دائماً الالتصاق بها من أجلي ومن أجل أطفالي الذين أكرس لهم بالإضافة لعملي جل وقتي.
(منى-أ) أستاذة في الجامعة: أعيش حياة صعبة مع زواج عمره عشرون عاماً ورجل يتعامل بلغة الأرقام مع كل شيء في حياته وأنا بت أحد هذه الأرقام في قائمة حساباته الطويلة كساعات عمله التي لا تنتهي حتى أنني في بعض الأحيان تمر أيام دون أن أسمع منه كلمة سوى تصبحين على خير وينام وصباح الخير وهو يرتدي ملابسه مسرعاً إلى عمله الذي أصبح ضرتي الأولى التي سرقت كل أحلامي ودفء حياتي, حتى أنني أتمنى في أحيان كثيرة أن يخسر كل شيء وتختفي تلك الأرقام والعمليات الحسابية من حياته فربما تعود لحياتنا تلك اللحظات الجميلة والحميمة التي كنا نقضيها معاً في بداية حياتنا.
وتتابع السيدة أنه وفي حال اجتمعنا معاً لفترة طويلة فلا أدري لماذا لا يستطيع أي منا أن يبادر الآخر بشيء قد يعيد دفء المشاعر بيننا وكأن شيئاً قد انكسر أو فقد من حياتنا وأوصلنا إلى هذه الحالة من الفتور العاطفي والنفسي وفي قرارة نفسي أعرف أنه أيضاً يتألم في أعماقه لهذه الحال التي فقدنا فيها اللغة الصحيحة للتأقلم والتفاهم ماذا عسانا نفعل إزاء ذلك? حقاً أنا متعبة ومرهقة نفسياً وأخاف أن تزداد الأمور سوءاً بمرور الوقت.
(نادر-ج) عامل بناء: نعيش منذ سنوات حياة مملة حيث باتت طلبات الأولاد والمنزل هي أبرز ما يمكن أن نتحدث به فهي مشغولة دائماً بتلبية طلبات أولادنا الخمسة وتدبير أمور المنزل وأنا أعود من عملي متعباً جداً لا أكاد أتناول طعامي حتى أغط في النوم لأنها هي لا تبادر إلى فعل أي شيء يجعل رغبة النوم تذهب عني بل على العكس تكون منشغلة بأشياء أخرى وكأني غير موجود أقول لك قد تكون عانينا في بداية حياتنا من مشكلات نتيجة سوء الحالة المادية وهذا أثر كثيراً على سير حياتنا وجعلها تصل إلى هذا الشكل من الملل والروتين حتى بت أشعر أحياناً أن منزلي هو مجرد فندق آوي إليه في ساعات الليل لأغادره في الصباح.
(جميلة) خياطة: فقط لأجل أطفالي بقيت معه كل تلك السنين وربما سيستمر الوضع لسنين أخرى تزوجته دون أن أرى وجهه حتى ليلة الزفاف ثم بدأت حياتنا بالمشكلات نتيجة عدم الانسجام في الطباع والتفكير في البداية كان خوفي من أهلي بالرجوع إليهم يمنعني من الانفصال عنه ثم جاء الأطفال ليزيدوا الطين بلة وليزيدوا حياتي جحيماً مع رجل عشت معه كغريبين تحت سقف واحد وكل منا له عالمه وحياته وبعد سنوات على هذا المشروع الفاشل لا نزال معاً حتى كلمات المديح والثناء لم يعد لها مكان في قاموس حياتنا وكل ما في الأمر أننا نسير وفق روتين يومي لنكمل حياة كانت بدايتها غير سليمة وهو ما أوصلنا إلى هذه الحال من الغربة والانفصال الروحي.
منجم للأمراض
أثبتت الكثير من الدراسات التي قام بها علماء النفس أنه في حالة الانفصال النفسي يتحول الزواج إلى منجم للأمراض النفسية أو العضوية وأكثر الأمراض شيوعاً هو الإرهاق المزمن وأمراض القرحة والقلب وسقوط الشعر والأمراض الجلدية.
كما تشير إحدى الدراسات إلى أن الانفصال النفسي وعدم المشاركة الجدية بين الزوجين هي في حد ذاتها مرض يتولد عنه مضاعفات كثيرة وهو ما يدفع أحدهما أو كليهما إلى ادمان العقاقير وخاصة المهدئات بحثاً عن الراحة التي هي نوع سلبي من الحلول يهرب فيه صاحبه من المشكلة بحجة المرض كما تشير الدراسة إلى أن الحياة الزوجية الفاشلة التي تستمر إجبارياً بين الطرفين لأي سبب تكون مقبرة للصحة ومنجماً للأمراض على كل شكل ولون.
تغيرات كيميائية
ويرجع بعض المختصين تراجع العاطفة بين الزوجين إلى تغيرات كيميائية تجري في الدماغ حيث أجرى الدكتور أنزوا ايمانويل من جامعة بافيا الإيطالية تجربة أثبت من خلالها أن المحبين يملكون مستوى عالياً من بروتين عصبي يدعى (NGF) وهذا البروتين مسؤول عن حث الأعصاب على النمو ورفع نسبة التواصل بين الخلايا الدماغية نفسها وينخفض مستوى هذا البروتين بالتدريج حتى يصل لمستواه الطبيعي بعد عام أو عامين من الزواج مما يفسر هدوء العواطف بعد فترة من الزمن.
ما الطلاق العاطفي (النفسي)?
من المسؤول عنه وما الذي يقترفه الأزواج والزوجات لتصل حياتهم إلى هذا النوع من الحياة?
ما المراحل التي يمر بها الأزواج من النجاح وصولاً إلى هذا الشكل من أشكال الانفصال?
وأين يمكن السيطرة على قطار الزواج المنحدر بقوة وكيف يمكن توقيت استراحة المحارب لإنقاذ ما يمكن انقاذه?
جملة من الأسئلة توجهنا بها إلى الدكتور طلال مصطفى أستاذ علم الاجتماع بجامعة دمشق.
الطلاق العاطفي: هو حالة تعتري العلاقة الزوجية يشعر فيها الزوج والزوجة بخواء المشاعر بينهما والفرق بينه وبين الطلاق الشرعي أنه قرار يتخذ بصمت دون إعلانه والسبب الرئيسي لما تعانيه بعض الأسر من مشكلة الطلاق النفسي والملل والفتور وإنما يرجع أساساً لخطأ الاختيار من البداية فالفتاة قد لا تستطيع الاختيار نتيجة لرغبة الأهل أو أنها تختار على أساس مادي أو منصب اجتماعي دون النظر للأخلاقيات وكذلك نفس الشيء بالنسبة للشاب الذي قد يركز على جمال الفتاة أو مركز الأسرة بغض النظر عن التوافق في الطباع والأفكار هذا بالإضافة إلى أنه بعد الزواج يحاول كل طرف تغيير الآخر ليكون صورة طبق الأصل منه وهذا خطأ كبير حتى عندما تحدث حالة الانفصال الفكري والعاطفي نجد أنه نادراً ما يحاول أي طرف من الزوجين حل هذا الوضع وإنما يتحمل كل منهما الوضع لأسباب أخرى غير الحب والمودة.
ويؤكد الدكتور مصطفى أن الملل والفتور لهما مؤشرات قد يسهل التغلب عليها إذا ما لوحظت قبل استفحال الأمر فيبدأ الملل والصمت والانطواء وعدم الاستماع للطرف الآخر وعدم اهتمام كل طرف بمظهره أمام الطرف الآخر وفي النهاية يختار كل شريك طريقاً مخالفاً لطريق الشريك وتعود هذه الحالة إلى طول العمر والعامل الاقتصادي وإلى نظرة المجتمع إلى المرأة المطلقة حيث إن المجتمع ينظر إليها بعين الشك والريبة ويعتبرها مدانة في معظم الأحيان مما يدفع المرأة لتحمل حياة الطلاق النفسي والخجل من إعلان مشكلتها أمام الآخرين.
آثار مدمرة
ويحذر الدكتور مصطفى من الآثار المدمرة للطلاق النفسي حيث يخلق مشكلات اجتماعية ونفسية كثيرة منها شعور كل طرف بالإحباط إزاء الطرف الآخر ونظرة كل شريك إلى شريكه بعين الريبة غير القادرة على الصبر وتغلغل المعاناة النفسية إلى أعماق الوجدان إضافة إلى المرارة التي يعيشها الأبناء من جراء ملاحظاتهم لوالديهم وهما يعيشان منفصلين فكرياً ووجدانياً.
ويعتبر الدكتور مصطفى أن التجديد والتغيير هو من أبرز الحلول لهذه المشكلة فلذلك يجب أن يغير الزوجان الكثير من عاداتهما وعلى كل طرف أن يحاور نفسه ويناقشها بصراحة في السبب الذي أدى بحياتهما إلى هذا الوضع ثم يتخذ القرار بالعلاج السريع والفعال وبرغبة صادقة في استمرار الحياة الزوجية بدافع من الحب وليس بسبب ضغوط خارجة عن إرادة الشخص وإن لم يستطع الوصول إلى قرار مناسب فعليه أن يلجأ إلى وسائل أخرى كالطبيب النفسي والاخصائي الاجتماعي لمساعدته في تلمس الحلول المناسبة لمشكلته وإلا فإن الطلاق الشرعي هو المخرج الأخير للانفصال النفسي والروحي الذي يعانيه.
غربة...
أزواج ولكن غرباء.. يعيشون تحت سقف واحد ولكن كل واحد منهما يعيش حياته منفصلاً عن الآخر.
حياة صعبة يصعب وصفها بأنها زواج لانعدام مقوماتها كما لا يمكن وصفها بأنها طلاق لوجود ارتباط شكلي مجرد خداع اجتماعي, حقيقة جوهرها زوجان لا تجمع بينهما عاطفة مشتركة وتكاد تعتمد حياتهما على مجرد الوجود المادي وهو تواجد قد تنعدم فيه المشاركة حتى في مجرد اللقاء العادي العابر بينهما وقد يصل هذا الحال إلى الطلاق الشرعي.
والحياة قد تصل أحياناً بين الزوجين إلى طريق مسدود فلا يمكنهما العيش ولا البعد عن بعضهما في حال وجود أطفال لا ذنب لهم وهنا قد يختار الزوجان الصمت والانشغال أو التشاغل كل منهما في عالم منفصل.