وكيف ننظر إلى العام الجديد ..?
فهل المواطن وحده سيدفع ضريبة هذا التحول في المرحلة الانتقالية التي لا نعرف كم من الزمن ستمتد حتى تكتمل ظروف هذا الاقتصاد الجديد ويصبح عامل التنافس قادرا على التوازن بين دخل المواطن وبين الأسعار ..
بداية نشير إلى أن عام 2006 سجل إنجازات مهمة للاقتصاد السوري قياسا لبقية الأعوام, إذ نما الناتج المحلي الإجمالي 4.5 بالمئة عام 2005 , فيما يتوقع أن يصل النمو إلى نحو 5 بالمئة العام الماضي وازدادت حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بمقدار 2.3 بالمئة عام 2005, مع توقع أن تستمر الزيادة عام 2006 لتصل إلى 2,5 بالمئة تقريباً.
والسؤال هنا : هل انعكس ذلك على المواطن ? ..
لو نظرنا إلى المتوسط العام للأجور خلال العامين الماضيين, نلحظ أن هناك زيادة حقيقية في الأجور بالنسبة للعاملين في الدولة وهم أكثر من مليوني عامل وعاملة ويعيلون أكثر من نصف سكان سورية على اعتبار أن متوسط أفراد الأسرة خمسة أشخاص بينما تراجعت معدلات الأجور في القطاع الخاص وزادت البطالة والأعمال الهامشية غير المنتجة
وتشير بعض التقديرات إلى أن متوسط الأجر للعاملين في عام 2006 وصل إلى أكثر من ثمانية آلاف ليرة بينما كان بين عامي 2005و2004, بحدود 7200 ليرة , أي ما يعادل مئة وخمسين دولارً شهرياً, سيكون نصيب الفرد منها في عائلة تتألف من خمسة أشخاص نحو دولار واحد يومياً هو مقدار خط الفقر المتعارف عليه عالمياً
ورغم هذه الزيادة في الرواتب ظل المستهلكون يعانون من ارتفاع الأسعار بشكل فاق كل التوقعات بعدما اقتربت هذه الأسعار من الأسعار العالمية بل تفوقت عليها في أسعار اللحوم الحمراء والبيضاء والبطاطا والبصل
كما أن سلعاً وخدمات جديدة كالحواسيب والاتصالات والجوال والتعليم الخاص باتت تمثل حيزاً هاماً في نفقات الأسرة.
الغلاء يطال كل شيء
والملاحظة الأبرز عن العام الماضي أن الغلاء طال كل السلع والخدمات فقد ارتفعت أسعار مواد الغذاء الأساسية كالسكر والأرز والشاي والمعلبات و الزيوت وسجلت أسعار اللحوم والخضار والفواكه أرقاماً كبيرة مقارنة بأسعارها في المواسم السابقة.
ورغم تدخل الدولة عبر منع تصدير بعض المواد كالبطاطا والبيض والثوم من جهة و ضخ كميات كبيرة من المواد الغذائية إلى الأسواق من جهة ثانية , إلا أن تقدماً لم يتحقق في هذا المجال بل على العكس خرجت الأسعار عن سيطرة أي رقابة
وطالت حمى ارتفاع الأسعار أجور النقل بعد برفع سعر البنزين من 24.35 ليرة سورية لليتر الواحد إلى 30 ليرة مما أدى إلى إرتفاع أجور ركوب سيارات التكسي وتكاليف نقل البضائع, وجاءت الاختناقات المرورية لتزيد الطين بلة وتجعل السائقين يمتنعون عن تشغيل العداد
وتواصلت أزمة السكن وارتفعت أسعار العقارات ارتفاعاً خيالياً, لأسباب عديدة منها غلاء مادتي الحديد والأسمنت إضافة إلى زيادة نسبية في أجرة اليد العاملة , وتبخرت الأحلام التي بناها المواطنون على سماع أخبار قدوم الاستثمارت الكبيرة على سوق العقارات والوعود الحكومية الكثيرة بأنها ستصبح متاحة للجميع
تدخل الحكومة
الحكومة كانت باستمرار تؤكد على تحسين المستوى المعيشي للمواطن و سعت إلى ذلك عبر تخفيض الضرائب والرسوم الجمركية بشكل عام على امل ان ينعكس ذلك فائدة على مختلف شرائح المجتمع وليس فقط على التجار والصناعيين وقامت الحكومة بزيادة الرواتب والأجور بنسبة 5% + 800 ل.س على الأجر المقطوع إضافة إلى نسبة الترفيع الدوري وهي 9% مما جعل النسبة الإجمالية 15 % وهي أعلى من نسبة التضخم وأصبحت كتلة الرواتب والاجور تصل إلى حوالي نصف الموازنة العامة للدولة بواقع 220 مليار ل.س .
و في عملية التحول هذه التي يمر فيها الاقتصاد السوري سيكون هناك آثار ونتائج قد تكون سلبية و الحكومة تحاول التخفيف منها.. وبالنسبة للأسواق المحلية وما يجري فيها من ارتفاع للأسعار غير مبررة لكن الأمل أن يأتي يوم تتوازن فيه الأسواق وتصبح الأسعار عادلة ومقبولة ...
فالحكومة قامت بإيقاف تصدير الأغنام لتمنع ارتفاع اللحوم في السوق المحلية أملاً في التخفيف على المواطنين كما تدخلت وساعدت مربي الدواجن اثناء أزمة انفلونزا الطيور وأعفت المربين من ضريبة الدخل لعام 2005 وخفضت الرسوم الجمركية على علف الدواجن إلا ان ذلك وللاسف لم يرافقه انخفاض في الأسعار وظلت على حالها
فجوة كبيرة
واعترف د. عامر لطفي وزير الاقتصاد في المنتدى الاقتصادي لجريدة الثورة ان هناك فجوة كبيرة بين متوسط دخل الفرد وبين المستوى العام للاسعار وهي فجوة تراكمية تعود لعام 1985 والحكومة تسعى للتخفيف منها في وقت يشهد الاقتصاد العالمي ارتفاعاً في الأسعار وهناك زيادة في الطلب على أغلبية السلع,ولاننا في فترة الانتقال نعمل على تحرير التجارة الخارجية هذا يعني زيادة الطلب على الواردات وكل هذه العناصر وغيرها لابد ان تؤثر سلبياً على المستوى العام للأسعار.
وأضاف : في الفترة الانتقالية هذه لابد من استمرار تدخل الحكومة في الأسواق غير المكتملة وغير الناضجة والمختلة التي يحصل فيها احياناً ارتفاع غير مبرر في الأسعار لان السوق لا تزال غير قادرة على تحقيق توازنها بين العرض والطلب وقد تضاعفت+ حملات الرقابة التموينية وارتفع عدد ضبوط والاغلاقات من نحو 50 ألف في السنة ليصل إلى أكثر من 100 ألف سنويا في عامي 2005 -2006.
وفي وقت لاحق لن يعود هناك حاجة للتدخل لان السوق ستضبط ذاتها وهذا سيتم عندما ينضج اقتصاد السوق بكل معانيه وتنخفض إلى أدنى درجة ممكنة تلك الفجوة التي تفصل متوسط دخل الفرد عن المستوى العام للاسعار.
والآن تنشط الوزارة في موضوع الانتقال من الرقابة التموينية بالطريقة السابقة إلى حماية المستهلك وهناك قانون حماية المستهلك قيد الصدور وكذلك هيئة سلامة الغذاء ورغم كل ما يتم الآن لم يصل المواطن ولا الوزارة إلى الثمار المرجوة.
الحلقة المفقودة
ويبدو واضخا أن هناك حلقة مفقودة بين الحكومة والقطاع الخاص ممثلا بالتجار والصناعيين بشكل رئيسي .. ففي الوقت التي استجابت الحكومة لكل مطالب القطاع الخاص لم نجد هذا القطاع يتحرك ويستفيد من الإعفاءات الكبيرة جدا التي حصل عليها من الدولة ولم يكن يحلم بها أصلا ..
فلماذا لم ينعكس ذلك على دوره في تخفيض الأسعار وتقديم النوعيات الجيدة وتغير سلوكه باحترام المستهلك المحلي قبل أي شيء آخر.. فقد تضاعفت أرباح أغلب الفعاليات الاقتصادية في القطاع الخاص واستفادت من الانفتاح الاقتصادي في وقت زاد المواطن من حاجاته ورغباته وزاد من استهلاكه بجكم التطور المحلي والعالمي ولم يلمس التحول المطلوب في ذهنية التاجر الذي يتهرب من المسؤولية ويحملها لبائعي المفرق ولموظفي الحكومة
ونأمل أن تتغير هذه الصورة في العام الجديد إضافة إلى الأمل بصدور التشريعات المتعلقة بحماية المستهلك وضبط الأسواق خلال الأشهر القادمة ودون ن ننسى أخيرا جمعية حماية المستهلك التي ننتظر منها الكثير ولاندري غيابها حتى ولو ببيان صحفي عن التحذير من سلع مخالفة أو التوعية بأساليب التسوق وحقوق المستهلك الكثيرة جدا والغائبة جدا ..