تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


نظرية التعديل الأميركي.. استغراق آخر في الجريمة والسيطرة

شؤون سياسية
الاربعاء 10/1/2007
بقلم: د.أحمد الحاج علي

الآن تتوضح تماماً أبعاد المهمة الرابعة التي أضيفت للوطن العربي في قواعد الاستراتيجيات الإسرائيلية المتعاقبة,

والمهمة الرابعة تقوم في أساس اعتبار الوطن العربي مختبراً مثالياً من حيث حجم المشروع الأميركي واحتياجاته, ومن حيث الراهنية المثالية للعرب باعتبارهم لم يعد بمقدورهم ولا في رغبتهم أن يحملوا أميركا أعباء أكثر بالمنسوب السياسي والاقتصادي والثقافي.. وقبل أن نغادر النقطة نستذكر أن المعاني الثلاثة الأخرى هي التعامل مع الوطن العربي كونه خزاناً للطاقة ومستودعاً لثروات ومواد خام لا جرم أن فضل العرب فيها هو الجغرافيا وأما الحاجة والتكيف الاقتصادي فهو خارج حدود الوطن العربي, تلك هي القاعدة الأولى وأما القاعدة الثانية فهي النظرة المركبة للعرب على أنهم البيئة الحيوية التي لابد من ضبطها لكي تتحقق فكرة أمن ورفاهية العدو الإسرائيلي وهذا يعني بالضرورة أن تتحول شروط النمو الإسرائيلي بمعناها الواسع إلى استجابات وثوابت في الواقع العربي وفي الحد الأدنى يكون المفهوم قائماً على أساس تبعية العرب للكيان الإسرائيلي وضرورتهم له, وليس وجود إسرائيل في المحيط العربي وافتراض محاولة التعديل لتبرير المشروع الصهيوني على الأقل, ثم تأتي القاعدة الثالثة في الاستراتيجيات الأميركية في النظر للعرب والتعامل معهم من خلال التطلع إلى أن الملايين الثلاثمئة من العرب يشكلون سوقاً استهلاكية واسعة ونهمة.‏

وقد جرت كل التطبيقات على مدى أكثر من ستين عاماً لكي تحدث حالة إدمان عربي باتجاه الاستهلاك الصناعي من الغرب عموماً ومن أميركا على وجه التحديد وهكذا تشكل العوامل الثلاثة أعني كون الوطن العربي خزاناً للطاقة, ومناخاً مطلوباً لإسرائيل وسوقاً استهلاكية للغرب منظومة واحدة يتوحد فيها الجغرافي مع السياسي والاقتصادي مع الإيديولوجي, وهذا ما أدى بهذه المنظومة من العوامل إلى أن تجد قواعد ربطها وضبطها عبر العامل الرابع الوافد والمتمثل بالنظرة للعرب على أنهم حقل تجارب مثالي واسع الأبعاد خصب الأطياف يوحي بالتعمق ولا يشكل حرجاً يذكر على مجمل المشروع الغربي بشقيه الأوروبي والأميركي والمهمة الجديدة المتبلورة في المشروع الأميركي للعرب دخلت مباشرة في النسيج العضوي لتاريخية وواقعية النظرة الأميركية للعرب, فالمختبر هنا في منطقه الجغرافي والعملي مباشرة أي إن التجربة الأميركية بدأت تصحو على إعطاء الأولوية في مشروعهم مع العرب للبنود الأربعة التالية:‏

1- إيجاد علاقة تفاعل ثابتة ودائمة ما بين السياسة الأميركية والوطن العربي وهذا ينسجم مع مقدار وأهمية خصائص المنفعة التي يقدمها العرب للأميركان والتجربة في الميدان تغني التجربة وتحولها إلى مشروع في التعامل مفتوح على تعميق درجة الاستغلال وعلى توظيف العوامل المخدرة والمناسبة للذهنية العربية, وفي الحال فإن البعد الجغرافي عبر المحيطات العازلة تم الاحتيال عليه وحله من خلال اعتماد الحال العربي كميدان تجارب ومختبر تحديد لأولوية العلاقة واتجاهاتها.‏

2- ثم إن العرب لهم مهمة ثلاثية الآن, العلاقة الآمنة مع أميركا بحيث تنتهي تماماً احتمالات الصحوة وبوادر الرفض للنهب الامبريالي المنظم للثروة, وكذلك تأمين المناخ التاريخي والديموغرافي لتمرير الكيان الإسرائيلي بأكبر نسبة من السهولة وأعلى نسبة من السيطرة اليهودية على المنطقة العربية عموماً, والمهمة الثالثة هي أن يبقى المجال العربي مورداً ثراً للتجربة الأميركية وموقعاً يكاد لا يثير المتاعب أو ردود الفعل الصعبة لأية وجهة نظر أميركية على وجه العموم, والمهام الثلاث تكتسب الآن هذه الدرجة القطعية من تحديد العلاقة على أساس أن الوطن العربي هو المختبر وحقل التجارب الضروري والجاذب.‏

3- وفي اتجاه ثالث فقد اشتغلت السياسات الأميركية بصورة متواترة ومعتدلة على أساس دمج الأبعاد في النظرة للعرب وليس تجزئتها وإطلاقها فرادى, لقد استوعبت السياسة الأميركية أهمية دور الدين والثقافة والعامل الحضاري عند العرب وأدركت أن الاتجاه نحو التداخل مع هذا العامل بطريقة التدجين أو التسطيح يؤدي الغرض الأميركي في السيطرة بنسبة عالية من الأمان وبنسبة منخفضة من الخسائر والعداوة مع العرب, الآن ومع بدايات القرن الحادي والعشرين ترى أميركا نفسها أكثر اقتراباً من حالة التدين, مع التفريق النسبي تبع المصلحة ما بين الدين كقيم والتدين كعلاقة سياسية وإيديولوجية مع الدين نفسه, وبموجب هذا التعديل تعتقد الولايات المتحدة الأميركية أن القرن العشرين ختم أميركياً وأن الحادي والعشرين سوف يكون المجال الأوسع والأعمق لاحتياجات هذا الاعتقاد وهذه النظرة..‏

ومع التحولات التي حدثت في القرن العشرين على امتداد العالم كله انتهت تلك النظرة التي كانت تقدم أوروبا على أنها أكثر تديناً من أميركا, وهكذا صارت السياسة الأميركية توظف كدين عبر فكرة التعويم وإطلاق الحدود العفوية المفتوحة أمام فلسفة السياسة في أميركا نفسها, وتمت عملية توطين للدين نفسه بطريقة إجراء النقلة الأساس عليه وتحويله إلى مواد وفقرات ومفردات سياسية في التداول, ولنتذكر من الوقائع ذات الدلالة في هذا السياق أن أول ثلاث مستوطنات أقيمت في فلسطين ما بين الأعوام 1852 - ,1881 أي قبل وعد بلفور نفسه كانت على يد الجماعات الأميركية البروتستانتية, بل إن الكثير من المؤتمرات الدينية عقدت في القدس التي تدعي رمزية صدق التوراة في قيام دولة إسرائيل, وبهذه المناسبة فإن المسيحية الانجيلية هم القاعدة الأهم والأكثر تأثيراً على السياسة الأميركية بل إن الملايين الأربعة التي تشكل تعداد هذه الطائفة هم الذين يمسكون برقاب المجتمع الأميركي ومفاصلها السياسية والاقتصادية, وتجري عملية اخضاع الشعب الأميركي بما يشبه إجراء غسيل دماغ مستمر عبر وسائل الاعلام ومنظومة الميديا ومراكز التوجيه الديني والكنيسي.إننا نشهد الآن كما أعلن ذلك والتر وجال في كتابه (أرض الميعاد والدولة الصهيونية) نشهد تحولات السياسة الأميركية باعتمادها الرسالة المقدسة الانجلو ساكسونية كمادة قصوى وخيار واسع في إجراء التغيير المناسب في العالم كله.‏

4- ولسوف تبقى المهمة الرابعة هي الأعلى درجة والأكثر ضرورة والأبرز وضوحاً في منطق السياسة الأميركية نفسها باتجاه الوطن العربي, لقد استوعبت واشنطن درس المطبات حينما استغرقتها الفكرة ذات الجانب الأحادي حيث القوة الصماء الوحيدة, وأدى الارتهان الأميركي لهذا المنطق إلى إشكالات مع أوروبا وتطويع بخبرتها الاستعمارية المعروفة والسابقة على التجربة الأميركية في هذا السياق.‏

كم حدث رد الفعل الذي لم يكن متوقعاً عبر حركات التطرف الديني والهوس الأميركي الذي دفع بالتطرف إلى آخر مراحله, وإذا كان صحيحاً أن الهدف في العمق, والنظرة في الجوهر لم تتغير نحو العرب, فقد ساعد منطق الأزمة الخانقة والمأزق المطلق بالولايات المتحدة إلى إنتاج الراهنية الجديدة من خلال إجراء التقويم على كل ما جرى, وفتح المنافذ أمام النقد وإعادة النظر, والوطن العربي بما يشهده من استغراق شبه كامل لمهام المشروع الأميركي سوف يكون هو ميدان المختبر ومادة الاختبار.‏

ومن الواضح أن حالين على طرفي النقيض التقتا في الوطن العربي, السيطرة الأميركية على العرب بمعدل واضح ومستغرب, وقدرة العرب بعيداً عن التخصيص والتسميات بإحداث المأزق للولايات المتحدة الأميركية, إذاً فالعرب هم الصيد الثمين, ولكنه الموقع الخطر في الفهم الأميركي الجديد, وهذا ما تطلب الانتقال من منهجية الأعتى دعم التقارير الأمنية والديبلوماسية, إلى وضعية إنشاء المختبر كاملاً في الساحة العربية بالمعنى الجغرافي والتاريخي وبالمفهوم الجيوبولوتيكي عموماً.‏

لعلنا في هذه اللحظة بحاجة إلى أن نحدد بعض عوامل الدفع نحو هذا التعديل في المنهج الأميركي, وبالتأكيد فإن جزءاً أساسياً من هذا التحول يقوم في منطق وطبيعة المشروع الأميركي نفسه, وهو يقوم على النهب الاقتصادي المنظم والاستحواذ على الثروة وتأمين سلامة وصولها إلى المجمعات الصناعية والعسكرية والكارتلات المرتبطة بها, ولقد استقطب في هذا الفهم الأميركي فكرة اجتماع القتل والنهب معاً, وإذا كان من المستحيل التخلي عن خاصية النهب والسيطرة, فإن التعديل اللازم إذا لابد أن يتناول آليات القتل الأميركي للعرب, وأسلوب ممارسة هذا القتل المستوطن في هوية السياسة الأمريكية نفسها نحو العرب والقتل الأميركي هنا فكرة في أساس الهوية الأميركية المعاصرة من جهة, وامتداد لمنطق التماهي مع النظرة اليهودية نحو العرب, إن ثمة عامل وحدة وتوحيد أميركي- إسرائيلي إذاً, كان اسحق شامير يردد بلا مجاملة ولا كلل( نحن بعيدون كل البعد عن تأنيب الضمير إذا استخدمنا وسائل الإرهاب..) وبموازاة ذلك مازلنا نستهجن تصريحات ذاك الحاخام اليهودي غوفريا يوسف رئيس حزب شاس حيث أعلن حينها, في يوم ما علينا نحن شعب الله المختار ومن أجل إذلال العرب.. أن نمطر هؤلاء العرب بالصواريخ وأن نقضي عليهم لأنهم أشرار وملعونون ويجب تطهير إسرائيل من أولئك العرب الصراصير والحشرات القذرة في مثل هذه النصوص تأسست الدفعة الأولى من مبررات التعديل الأميركي لسياسة القتل العربي والدروس يجب أن تستوعب وتتم عملية إعادة انتاج الآليات الجديدة التي تكفل إضافة قيد تحرير والقتل الرحيم إلى ما هو مستقر من خبرة أميركية إسرائيلية في منفى شعوب المنطقة أساسا ويبقى السؤال مشرعا ومشروعا إلى أي مدى تقبل العقلية الأميركية بمواصفاتها المنظورة وامكانية اجراء المراجعة والتعديل, وفي الاجابة مباشرة نقول إن أميركا تختار مصالحها دون تردد, لا تعطي قيمة للبشر, ولا للقيم ولا للواقعة التاريخية والقانونية وهنا تمتلك واشنطن افظع نزعة على وجه الأرض للتخلي عن الحلفاء والشركاء والاصدقاء فذاك منطق تابع وليس متبوعا وهو قائم ما دامت المصلحة الأميركية قائمة أيضا على أن الأمر في خيار التعديل الأميركي لا يأتي عادة لمجرد وقف زحف الخسارة والتقاط النفس للبدء بمرحلة جديدة من الاقتحام الخبير هذه المرة إن في جوهر فلسفة المنهج السياسي الأميركي يتم هذا التجاهل ملحق للحق والحقيقة وللتاريخ والقيم وعلى الدوام يعلنون في واشنطن بأنهم جاؤوا بعد التاريخ وبأن الحق والعدل قيمتان نسبيتان تستأثران بالترجيح حينما تخدمان مصلحة طرفين هما أميركا وإسرائيل دون غيرهما إنهم في اخلاقياتهم وأولوياتهم الأيديولوجية والسياسية ينطلقون من هذا النسق,ابحث ثم اهجم ثم انسحب, ستحل ملامح من العقلية السياسية الأميركية التي ادعت التعديل فإذا بها تجد نفسها في عمق الجريمة توغل وتغرق ولا قيمة للآخر عندها إلا باعتباره وقود جهنم أميركا على الأرض وساكنيها.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية