الأميركية متفق الآن على أنه في الولايات المتحدة الأميركية لم يعد الأمر كما كان قبل تقرير- بيكر- هاملتون رغم أنه لا نتائج مباشرة لهذا التقرير حتى الآن, لكن يبدو أن المحضر قد اتخذ شكلا نهائيا وأصبح من اللافت والجدير بالاهتمام أنه أيا كانت دوافع الديمقراطية الأميركية فقد آن للرأي العام أن يتخذ تدابيره المناسبة إزاء الكارثة العراقية وأن يعود إلى رشده ويدرك إلحاح المأساة الفلسطينية على أنها القضية المركزية في الصراع ويقوم باقتراح تغيير سياسي شامل لمجمل لوحة المنطقة.
في هذه الأثناء وبالرغم من كل الاحتمالات فقد ظهرت في إسرائيل بعض المؤشرات حول تأييد إقامة الدول الفلسطينية ومنها القرار الأخير لوزيرة التربية الإسرائيلية التي تقترح فيه تغييراً في المناهج التدريسية ليتم ايضاح - باسم الحقيقة التاريخية- حدود الخط الأخضر قبل احتلال عام .1967
وبناء على اقتراح من رئيس الوزراء الاسباني ثاباتيرو ونظيره التركي رجب طيب اردوغان تم تشكيل مجموعة من شخصيات مختلفة ومن أعلى المستويات برعاية الأمم المتحدة للتصدي للفكرة الأميركية ( صدام الحضارات) وبناء عليه فإن مشروع ( تحالف الحضارات) الذي نشكل جزءا منه توصل إلى نتائج حقيقية ومتطابقة وهي إن اقامة دولة فلسطينية ضرورة ملحة لابد منها وهي الضمان الحقيقي لبقاء إسرائيل وأمنها, وفي تقرير نهائي قدمناه للأمم المتحدة في 18 كانون الأول عام 2006 اتفق فريقنا على المطالبة بألا تنتهي توصياتنا إلى منسيات أرشيف الأمم المتحدة وإنه ومن باب اللباقة والإجماع الخجول اكتفينا بمواضيع وسائل الاعلام والتعليم والأديان ورفضنا إبداء آرائنا حول المشكلات السياسية التي هي أصل جميع المآسي المعروفة باسم النزاع الإسرائيلي -الفلسطيني, العراق ,افغانستان وغيرها.. وتداعيات يحصدها الشرق الأوسط من هذه الحقبة الاستعمارية ونتائجها الاخلاقية والايديولوجية والثقافية.
على الغربيين أن يتحرروا من قراءتهم الانتقائية للماضي وأن يفهموا أنهم بسبب تصرفاتهم هذه فإن رد فعل أي مواطن من المغرب العربي هو رد الفعل ذاته لاندونيسي مسلم لا يعرفه ولم يلتقه أبدا.
إن تحقيق السلام بين فلسطين وإسرائيل هو جوهر مشروعنا ( تحالف الحضارات) وهذا يقتضي الشروع في العمل نحو هذا السلام دون الانتظار أكثر من ذلك وإقامة الدولة الفلسطينية التي تقوم على حقائق ثلاث لا اعتراض عليها:
الأولى: هي حقيقة الحركة الوطنية الفلسطينية التي أفهمت الجميع أنه لا بالقوة ولا بالمال ولا بهدر الوقت يمكن تبديد عزمها على بناء الدولة الحرة المستقلة ذات السيادة.
الثانية: هي أن هناك حركة يهودية وجدت غايتها على جزء من أرض فلسطين والتي نعلم أيضا أنه لا بالحروب ولا بالضغوط يمكن أن تحقق غايتها.
الحقيقة الثالثة: هي إرادة الجميع من غالبية العرب والفلسطينيين وكثير من الإسرائيليين واليهود في العالم ايجاد حل عادل وأخلاقي يعطي فرصا حقيقية لتعايش الدولتين الفلسطينية والإسرائيلية والتعادل بالحقوق والواجبات وإقامة الأمن والسلام بين الشعبين.
ما نأمله هو أن يعي الإسرائيليون والفلسطينيون الخطاب الذي يطرح بموضوعية المسؤولية الخاصة عن هذه المأساة والإفلاس في علاجها حتى الآن من المهم والأساسي أن يفهم الجميع أنه يمكن تغيير المعادلة اذا تحملت الأمم المتحدة مسؤوليتها وأن تبوح للرأي العام الدولي بأن الستين عاما الماضية كانت حافلة بإخفاء الحقائق وتزويرها.
كما أن العبور بهذه الآلام النفسية والتاريخية يمكن أن يغير المعطيات وأن يرسم خطوات أولى لاستعادة الحقوق وصون الكرامة ومن ثم تمهيد الطريق لصلح وسلام.
اقتراحنا هو تعاطي الحقيقة لتاريخ الشعبين أيا كانت مشاعرهما وإطلاق ( كتاب أبيض) من قبل الأمم المتحدة وتتبناه شخصيات فلسطينية- إسرائيلية لا جدال حولها مستخلصة العبر من تاريخ تم تجاهله طويلا من قبل المجموعة الدولية كما نأمل أن يكون هناك تقارب واقعي مشابه في الولايات المتحدة لتغيير المعطيات رغم الصعوبات التي يفرضها تقرير بيكر - هاملتون.
أخيرا سواء أكان الهدف العلاقات بين الاسلام والعالم الغربي أم إقامة السلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين أم الحل للكارثة العراقية فإن كل الأطراف المعنية بهذه الأزمات هي بحاجة للاعتراف بمعاناة الجميع وأن تسعى لتأسيس علاقات مستقبلية تقوم على أسس واضحة جلية هذا ما نريده فيما سميناه ( الكتاب الأبيض).