جميعها بالنسبة لي طبيعية ومختلطة, وتافهة مثل الفراغ,كنت أعتقد أني أرى الكل فلم أكن أرى سوى القشرة لو صرت نصف نفسك وأتمنى لك هذا ياغلام, فستفهم أشياء تفوق الذكاء العادي للعقول الكاملة ستفقد نصفك ونصف العالم, ولكن النصف الباقي سيكون أعمق وأكثر قيمة ألف مرة).
يمكن اختيار هذا المقطع من رواية الروائي الايطالي ايتالو كالفينو لاختصار الفكرة الجوهرة لروايته الشهيرة( الفسكونت المشطور) التي صدرت حديثاً عن سلسلة الجوائز بالهيئة المصرية العامة للكتاب قامت بترجمتها أماني فوزي حبشي.
ايتالو كالفينو من أشهر الكتاب الإيطاليين في القرن العشرين ولد في كوبا عام 1923 وتوفي في عام 1988 وقد أمضى فترة شبابه في مدينة سان ريمو بشمال إيطاليا أثناء اشتراكه في حرب تحرير إيطاليا وعمليات المقاومة ضد الفاشية والنازية.
وقد أتم دراسته الجامعية في الأداب في جامعة تورينو اشترك مع الكاتب الإيطالي اليوفيتو ريني في اصدار إحدى الدوريات الإيطالية.
قدم كالفينو أولى أعماله الروائية( مدق أعشاش العنكبوت) اتسمت بالتزام واضح سواء من الناحية الايديولوجية والسياسية مما دفع النقاد لادراجه ضمن تيار(الواقعية الجديدة).
روايته الأشهر( الفسكونت المشطور) تعبر عن إنسان القرن العشرين المستلب الذي شطرته جحافل الرأسمالية الجديدة وقسمت أحلامه هي رواية تعبر عن الإنسان الذي تمزق من جراء الحروب الباردة بين أقطاب العالم في القرن العشرين.
خلال خطابه الروائي يقول لنا بديكتاتورية الأديب المتمكن: ( وسترغب أنت أيضاً في أن يكون كل شيء مشطوراً أو ممزقاً على صورتك لأن الجمال والحكمة والعمل موجودة فقط فيما هو مشطور).
ويمهد للقارىء في مقدمة روايته حول شخصياته ربما تفادياً لملامة محتملة من قبل القارىء حول شخصيات كالفينو المشطور جداً لهذا يقول:( فالواضح أننا اليوم نعيش في عالم يرفض الشخصيات الاستثنائية عالم يحرم فيه المرء من أبسط خصوصيات الشخصية الفردية. حتى أصبح الجميع مجرد نسق من السلوكيات المحددة سلفاً. فالمشكلة اليوم لم تعد مجرد فقدان المرء لجزء من ذاته, ولكنها مشكلة الفقدان التام. مشكلة عدم كون الإنسان ذاته على الإطلاق).
هكذا يقدم لنا خميرة بطله ( فسكونت تيرالبا) وهو ابن لإحدى أعراق عائلات جنوه, والذي يذهب ليشارك في الحرب, فيعينه الامبراطور ملازما بالجيش حيث يعاني من الإنشطار الأول.
رغم أن روايته تاريخية لكنه يقول كالفينو: ( الرواية التاريخية لم تكن تهمني, فالإنسان المعاصر ممزق, منقسم, غير مكتمل, بل عدو لنفسه, يصفه ماركس بأنه مغترب, وفرويد بأنه( مقموع) حالة التناغم القديمة قد ولت وبدأنا نتطلع إلى نوع جديد من التكامل تلك هي النواة الايديولوجية الأخلاقية التي كنت أريد إضافتها بوعي للقصة, ولكن بدلاً من أن أعمل على تعميقها على الصعيد الفلسفي. فضلت أن أعطي للرواية هيكلاً يعمل عمل آلة متكاملة وأن أعطيها جسداً ودماً من التراكيب الخيالية الغنائية.
في نهاية الرواية ثمة شيء خفي سيتقاطع مع ماذكره كالفينو في عمل له ( الطريق إلى سان جيوفاني) حيث يقول:( أنت ترى كيف تشعبت طرقنا, طريق والدي وطريقي ومع ذلك فقد كنت أشبهه على نحو ما.. إذا ماهو الطريق الذي كنت أقصده إن لم يكن تكراراً لطريق والدي.
القذيفة التي تشطر الفسكونت إلى نصفين( خير وشرير) تذكرنا برواية روبرت لويش ستيفنسون (دكتور جاكل ومسترهايد) ربما ذلك بسبب براعته با ستثمار الصيغ الممكنة المحتملة في التقنية الروائية فهو عرف عنه أنه حض على ضرورة تعيين الحاضر خلال قراءة هوميروس وإلا لسقط القارىء في سد يم أبدي واجتهد كثيراً في مجال إعادة صوغ العلاقة مابين القارىء والكتاب. ولم يعد بوسع القارىء أن يكون محض متلق سلبي, وإنما مجادل ومعترض وفي النهاية شريك في القص.. وهذا يبرر ماقاله هو نفسه (أنه مؤلف يتغير تغيراً كبيراً مابين كتاب وآخر.