لطالما شكلت طبيعة العلاقات بين النمو والنظام السياسي موضوع جدالات حامية.
فبقدر ما زاد الانكباب على المؤسسات السياسية,كلما تعرض الاقتصاديون لتعقيدات تحدت نماذجهم في الأمور التي اختاروا العمل عليها.
للوهلة الأولى نرى أن العلاقات متشابكة بعض الشيء.
هل للأنظمة السياسية تأثير على النمو?في شمال الصحراء الافريقية لم يستطع التحول الى الديمقراطية في سنوات 1990أن يضع حدا للركود الاقتصادي,إنما زاد من شدة التنافس بين الشركات حول منابع الثروات الطبيعية البترولية والمعدنية.
وعمليا هزم التقنيون أمام السياسيين المحنكين,من جهة أخرى الدول التي عرفت نموا مذهلا لم تكن حقيقة ديمقراطيات نموذجية,فسنغافورة اندفعت في نموها الاقتصادي تحت ظل أنظمة شمولية,وفي كوريا وتايوان انطلقت تحت ظل الانظمة العسكرية.
بالرغم من كل شيء,تبدو أصداء بعض الأنظمة السياسية اكثر احتمالا للانتعاش الاقتصادي من غيرها.
إن تمركز السلطات يؤدي إلى إضعاف الاقتصاد,والمثال التقليدي في ذلك زائير السابقة في عهد الماريشال موبوتو.وعلى العكس,فالمساهمة السياسية,المؤسسات (الاستشارية) والضغوطات المفروضة على الحكومات تساعد على التطور بوضوح.
بالمقابل,هل يحرض النمو على نشوء أنظمة سياسية خاصة?!
منذ أيام أرسطو لوحظ أن تحسن مستوى المعيشة كان يترافق بالمطالبات الديمقراطية,ومع ذلك وكما أشار آدم برزيورسكي (وهو اقتصادي من جامعة نيويورك)إلى أن الإثراء لا يولد الديمقراطية آليا بل بكل بساطة,يمكن أن تكون حياة المؤسسات الديمقراطية اكثر عمرا في الدول الغنية,بينما قد تكون اكثر هشاشة نتيجة الفقر,ففي الدول الفقيرة ,يمكن أن تكون مقيدة.
هناك بعد آخر يعقد العلاقات,فمثلا وجود الطبقات المتوسطة يساعد في استقرار الديمقراطية,والعلم الذي يؤثر في الديمقراطية والعكس صحيح.
أشار آدم بأن ترسيخ المؤسسات السياسية هي الاساس خلف النمو,كل ذلك يشبه قدرة نظام ما في توجيه الصراعات الاجتماعية.
قد يفسر هذان الأمران,على سبيل المثال,وجه الاختلاف بين أميركا اللاتينية والولايات المتحدة,فالعائد الفردي كان متماثلا في بداية القرن التاسع عشر,لكن عام ال2000كان العائد في اميركا اللاتينية أقل بخمس مرات عما هو عليه الحال في الولايات المتحدة.
يقول جون رومير من جامعة يال:الديمقراطية هي تنافس انتخابي غير شريف بين مجموعات تختلف مصالحها عن بعضها البعض.
كيف نفسر إذاً استقرار الديمقراطية المبكر في بعض الدول (مثل الولايات المتحدة,انكلترا)وتقلقل المؤسسات السياسية المستمر في دول أخرى (مثل الأرجنتين)?
دارون اسيموغل (من المعهد التكنولوجي في ماساشوست)وجيمس روبنسون (من هارفارد)يظهران في كتابهما الجديد(الاصول الاقتصادية للديكتاتورية والديمقراطية)بأن المؤسسات هي ثمرة لعلاقات القوة بين مختلف المجموعات الاجتماعية,فالمواطنون والناخبون (من مالكي أراض وصناعيين)لديهم مصالح متناقضة حول طريقة المؤسسات في تحديد السلطة والمصادر (المنابع)الديمقراطية التي تفضلها الأغلبية ليست بالضرورة تخدم النخبة,في النهاية نستطيع القول بأن المؤسسات السياسية ما هي إلا ترجمة للرهانات الاقتصادية فالنماذج الحسابية تؤكد هنا أطروحات لم تكن غائبة أصلا.