الذي أصبح رمزاً من رموز مقاومة الامبريالية الأميركية في منطقة أميركا اللاتينية. وغدا دوره وتأثيره المستقبلي على بلاده وعلى المنطقة ككل واضحاً, وهذا ما أعطى الكتاب أهمية خاصة وضرورة ماسة للاطلاع عليه في أي مسعى جاد لفهم ما يحدث في فنزويلا وفي المنطقة اللاتينية عموماً.
يبحث الكتاب في عدد من القضايا والجوانب المتعلقة بالثورة الفنزويلية: بداياتها, منطلقاتها الفكرية والسياسية وتطوراتها ورؤاها المستقبلية وكانت تلك اللقاءات الصحافية مع الرئيس الفنزويلي قد بدأت في لحظة تاريخية وسياسية مهمة! أعقبت المحاولة الانقلابية الفاشلة التي تعرض لها نظام شافيز في نيسان عام .2002 وكما هو معروف للجميع, فقد أيدت الإدارة الأميركية ذلك الانقلاب على الأقل, إن لم تتأكد الاتهامات التي تشير إلى ضلوعها في التخطيط له وتنفيذه, وهذا ما أكدته بعض المصادر الغربية في وقتها وكان للدعم الأميركي أهمية خاصة في الرؤية الفكرية المقارنة التي اعتمد عليها الكتاب في مناقشته لمختلف القضايا المثارة من زاوية النظر إلى الثورة الفنزويلية وتقييمها. ولكن المعلوم أيضاً إن تلك المحاولة الانقلابية قد انتهت إلى عكس ما أرادت واشنطن, أي عودة شافيز إلى منصبه وسط هدير المواكب الشعبية والاحتجاجات الجماهيرية العامة المنددة بالانقلاب والمؤيدة للثائر الفنزويلي.
تلك كانت مجرد لحظة أو منعطف من منعطفات الثورة الفنزويلية, ولذا فهي لم تحتل مساحة كبيرة من الكتاب, بقدر ما انصب الاهتمام على الإضاءات التي قدمها شافيز عن الملامح العامة لطبيعة حركة التغيير السياسي في بلاده وفي منطقة أميركا اللاتينية بأسرها, وعن تقاطعاتها وتبايناتها مع نمط الإنتاج الرأسمالي الذي تقوم عليه العولمة الأميركية والغربية بوجه عام. ولابد في لقاءات بهذه الطبيعة أن تقف على الأفكار السياسية التي يبشر بها شافيز, في علاقتها بزعامته السياسية لبلاده وبحركة التغيير السياسي والاقتصادي والاجتماعي فيها.
وتناولت اللقاءات أيضاً السياسات الداخلية والخارجية التي تتبعها فنزويلا, بما في ذلك علاقتها ببقية الدول الأخرى في المنطقة, ومدى تأثير وانعكاس ما يجري داخلها على دول أميركا اللاتينية. وقد اعتمد كل هذا السرد والتحليل على معلومات وحقائق ملموسة من التجربة العملية, فضلاً عن الاستراتيجيات العامة التي تتبعها فنزويلا, ما جنبها الاستغراق في الجوانب النظرية وحدها من التجربة.
وإذا كان مفهوم -ثورة المقهورين- قد احتل مكانة بارزة في حركة الفكر السياسي في أميركا اللاتينية بصفة خاصة, ومن ثم ما أصبح متعارفاً عليه في الفكر الديني الثوري باسم -لاهوت التحرير- فقد وجد هذا الفكر له مكانة خاصةجداً في المنظومة الفكرية لشافيز -إذا جازت العبارة- في إطار الرؤى المستوحاة من فكر بطل التحرير القومي -سيمون بوليفار- الذي قاد حركة المقاومة الوطنية والاستقلال ضد النفوذ الأجنبي في القرن التاسع عشر وكما سبق القول فإن ثمة تداخلاً ملحوظاً بين الفكر النظري والممارسة العملية, هما اللذان شكلا معاً سياسات واستراتيجيات الثورة الفنزويلية.
وربما كانت السياسات الأميركية المتبعة ضد (شافيز) في ظل إدارة بوش هي التي شكلت قدراً كبيراً من رؤاه ومواقفه حيال الفكر السياسي والاقتصادي والاجتماعي للعولمة الأميركية, وحيال نمط الإنتاج الرأسمالي بوجه عام. والمعروف أن دول القارة اللاتينية قد تأثرت إلى هذه الدرجة أو تلك بالثورة الكوبية وبالأفكار الاشتراكية وحركة النضال المسلح التي استلهمت الكثير من أسطورة المناضل -تشي غيفارا- التي لا تزال تشحذ همم ورؤى القادة السياسيين هناك. أما بالنسبة لشافيز, فقد تورطت أميركا بشكل مباشر أو غير مباشر في المحاولة الانقلابية ضده, وفي تحريض حركة المعارضة الشعبية عليه, إضافة إلى ما تمارسه من ضغوط اقتصادية مستمرة على حكومته والقصد من كل ذلك بالطبع زعزعة استقرار نظامه وإضعافه تمهيداً للإطاحة به سواء عسكرياً أم من خلال صناديق الاقتراع. ومثلما رأى عدد من قادة المنطقة تناقضاً بين القيم والمبادىء التي تعلنها واشنطن وبين وقوفها ضد الحرية والديمقراطية التي تقررها صناديق الاقتراع في أكثر من حالة ومناسبة.