ففي ثنائية العطر والضوء مكمن شغف جواني عتيق لحضور شعرية موازية تهيىء طقس الشعر وتلونه بألوانها الحارة انها ألوان الحلم الباذخ في حسيته وإغرائه المستحب ولعله ذلك الفضاء الذي يهيئ للقصيدة كذلك, ليأخذ من التماعاتها الباهرة كثافته, ومن بساطتها لغتها الثانية.
فهل نستطيع الجزم بأن الشعر قد احتفى بمن حضر امسية الشاعرة والاعلامية هيام منور التي اقيمت لها مؤخراً في المركز الثقافي العربي بأبي رمانة?!
لا ريب انها معادلة الحضور الشعري الاثيرة التي توازي ذلك الحضور الثقافي المميز الاصغاء والحفاوة, الانتظار على بوابات الفرح , لتلك ( ا لمغامرة) المحسوبة بتوزعها الدقيق بين اقانيم الحلم والرؤيا والتمرد والتي خفق في اوصالها سر الغاردينيا.
في وقت مضى تساءل انسي الحاج ( ماذا فعلت بالوردة) ولعلنا نعيد السؤال الشعري في مجازه الجديد ماذا فعلت بنا الوردة, الوردة التي خرجت لذاكرتنا , ولم نجففها في كتاب, بل تخلقت امام حواسنا كلها, خرجت من حواس الكتابة لتتشكل ثانية بالقراءة, اذ تخفق ذاكرة طازجة ويخفق فكر طليق, وتتدفق احاسيس وتراوغ على حواف الشعر كلمات, بهذا الامتلاء الجمالي قدم الشاعر للأمسية , كما قدم للعازف القدير جوان قرجولي, مستعيداً ديوان الشاعرة-منور- الأول ( وردة هزت الذاكرة) متوقفاً وشارحاً ما انطوى عليه الديوان من فكر واحاسيس وصور وموضوعات طريفة . ولعله اشار للفضاء الطباعي, للديوان بحرفه الجميل واناقته من حيث اللوحات الفنية الباذخة وسوى ذلك , ليقف بقول صريح فيما يريده للمرأة الشاعرة من ان تكون شاعرة مغامرة وفرح.
ببوح حميم اقتربت الشاعرة هيام منور بقولها الشعري متماهية مع حواسنا فيما اختارته من منتخبات شعرية منها (فرح بري, الرغبة ماء , شجر الليل, وردة التكوين, ارجوحة الفل, اين الضوء .. اين الليل , قال العراف, ليلة كسوف القمر.أو جنين , ورداً من شظاياكم, قهوة الحصار, عابرون. . ولكن ) اهزوجة الشهيد ( مقطوعة زجلية) حيث التنوع في الموضوعات ومضامينها في مقاربة العشق والوطن والخلاص ومعه يمكن القول بأن الشاعرة وهي تمتح من شعرية القلب والفكر وتنوع في مقام العشق, كانت تنتقل بأدائها اللغوي من ذاتها الى الآخر بانفتاح شعريتها على العالم فتنمحي الحدود بين الخاص والعام, تخلق الحالة الاكثر انتباها للشعر باستثمار الضمير المتكلم وهو ينقل انا الشاعرة لتقيس المسافات بالحواس بكثافة الصدق وغنائية الروح, نحو المطلق المتفرد هنا اغواء القصيدة المستمر ( جوع صوفي ايقظ صمتي/ ونخيل قبلي تمتم غرقت في المعنى /لم تتكلم لم تتألم ...)
وأيضاً : ( يا سيد كلماتي /لا تذهب/ اذهب/ اطعم اوراقي للريح/ .
واكسر ان شئت مصابيح البرد يدق على الأبواب /ولن يكسر بردك غير مفاتيحي/ وتقول الشاعرة في سياق آخر: والرغبة ماء/الرغبة حبل سري ان شئت/ يقود الى اللاشيء/ او شئت يقود الى كل الاشياء).
هيام منور تقودنا بل تدعونا الى (وليمتها) الشعرية, باللغة الطازجة وبالصوفية المضمرة حيناً والمنكشفة احياناً اخرى, وهي تؤثث لروح بلحظة شعرية لا يخسر ترجيحها الاكثر بانزياحات ( الانا ) وبأسلوبية تجعل من الخصوصية سؤالاً مشروعاً لشعرية تسعى بأدواتها لخلق التوازن العاطفي- اللغوي, بمكوناته الدلالية التي تحيل على تجربة جمالية داخلية يحضر جدل الذات والآخر بالمعنى الواسع, ومدى ما تستطيعه الكينونة الانثوية من التوهج والامتلاء لتتشكل بشعرية الحياة في نقائضها ومدائحها, فتنداح الصور والاصوات ومحاكاة الغياب والحضور, النسيان والموت, التكوين , والاسماء والافعال, واستبطان المعنى, بعيداً عن توسل بلاغة جاهزة, باتجاه ما ينفتح على حساسية باهرة تستثمر جمالياتها لغايات تخص الشعر وحده وتصل مطارح الغناء في نصوص جميلة باختلافها وفي استعادتها لموضوعة اثيرة ولكن بتنوع اسلوبي , ما بين إيقاع اللغة وايقاع الرؤية واذا كانت (الوردة) كثيمة دالة في النصوص ,وكعلامة تحضر فيها باستمرار, فإن مجازها هو ما يتوفر عليه السؤال الذي تختص به الحساسية دون غيرها, وليس بوسع النصوص ان تختزل ذلك العالم الذي ما زال يمنح للقصيدة براءتها الاكثر ومغامرتها الطليقة.