محطـــات ثقـــافية
ملحق ثقافي 25/4/2006 فايز خضور عباس بن الاحنف لم يكن فارساً كما كان جميل بثينة، ولم يكن سياسياً كما هو الشريف الرضي،ولكن طبيعته على سماحتها ودماثتها، كانت غاية في القوة والاكتمال؛ والضعف قوة في بعض الاحيان .. لقد كان يؤثر الاعتكاف، ويكره الاسفار،
ولايتحدث عنها إلا بالإيماء. ورقته اشف من الضوء، هذا المكرس للفن الغزلي الواحد، وقد جنى عليه، فيقول: تحمل عظيم الذنب ممن تحبه، وان كنت مظلوما فقل انا ظالم/ فإنك ان لاتغفر الذنب في الهوى، يفارقك من تهوى، وانفك راغم./ معشوقة العباس واحدة هي «فوز»، ولم يحدثنا الرواة عن هويتها كما حدثونا عن بثينة وعزه.. ولكنها تبقى قوية الروح والاحساس والوجدان. وعذوبة صدقه فيها آية، ونهاية في السمو الخلقي: لايضمر السوء ان طال الجلوس به. عف الضمير، ولكن فاسق النظر/. وهل نهى الناهون عن النظر الجارح الا خوفا على الضمير من الافتتان ..؟! ..والصدق في التشبيب يكون العتاب اقوى اركانه فيقول: واحسن ايام الهوى يومك الذي، تروع بالهجران فيه وبالعتب./ اذا لم يكن في الحب سخط ولارضىً.. فأين حلاوات الرسائل والكتب..؟!/ .. وتارة اخرى يوصي محبوبته بنبذ ماتسمع من اخبار بشركه بهواها فيقول: وصالك مظلم فيه التباس. وعندك لو اردت له شهاب./ وقد حملت من حبيك مالوتقسم بين اهل الارض شابوا/. أفيقي من عتابك في اناس، شهدت الحظ من قلبي وغابوا./ وكنت اذا كتبت اليك اشكو ، ظلمت وقلت ليس له جواب...!!/ فنفهم من هذا الكلام ان محبوبته كانت على جانب من التثقيف، فهي تقرأ رسائله وتجيب، اولاتجيب، ولم تكن القراءة في ذلك العصر تتيسر للمرأة الا ان كان اهلها من الميسورين. // والعباس يفرح بالعتاب لانه الوسيلة الى تذوق حلاوة التراسل. وقد يحاول تأريث نيران الغيرة في صدر محبوبته ليدفعها الى سماع صوت العتاب، فيقول: يارب جارية اسبلت عبرتها، من رقة ولغيري قلبها قاسي/ كم من كواعب ماابصرن خط يدي/. الاتمنين ان يأكلن قرطاسي/. والجارية في لغة ذلك العصر هي المرأة الصبية. ومادام الشاعر من لحم ودم واعصاب، الايحق له ان يغضب من تجني محبوبته عليه فيقول: كفى حزنا اني وفوز ببلدة ، مقيمان في غير اجتماع من الشمل/ اما والذي ناجى من الطور عبده، وانزل فرقانا واوحى الى النحل/ لقد ولدت حواء منك بلية، عليَّ أقاسيها، وخبلا من الخبل/.!! من ابرز خصائص هذا العاشق المنقطع الى حبيبته وحدها، هي خصيصة «الكتمان» واللغة العربية لاتعرف شاعرا اولع بهذا المعنى مثل ولع عباس بن الاحنف ، حيث يقول: قد سحب الناس اذيال الظنون بنا. وفرق الناس فينا قولهم فرقا/ فجاهل قد رمى بالظنون غيركم. وصادق ليس يدري انه صدق/. حتى ان الكتمان قد طال محبوبته ذاتها، حين كتم حبه عنها، وقال: هذا كتاب بدمع عيني، أملاه قلبي على بناني/ الى حبيب كنيت عنه. اجل ذكر اسمه لساني /قدكنت اطوي هواه عنه، مذكنت في سالف الزمان/ فبحت اذ طال بي بلائي. ولم تكن لي به يدان/..!! فهل هذا يؤكد ان الشاعر قد ابتكر اسم «فوز» ليخفي هوية محبوبته... ربما، حيث تندرت به احدى جاراته فسمت خادمتها«فوزا» لتسخر منه.. وان اقارب محبوبته كانوا يحاولون فضح هواه، وهو هوى لم تفضحه غير الدموع فقال:لاجزى الله دمع عيني خيراً. وجزى الله كل خير لساني/ نم دمعي فليس يكتم شيئاً. ورأيت اللسان ذاكتمان/ كنت مثل الكتاب أخفاه طيٌّ، فاستدلوا عليه بالعنوان./..!! ويعزي قلبه بأنه سيموت مكتوم السر، الاعمن يحب فقال: ابكي الذين اذاقوني مودتهم حتى اذا ايقظوني في الهوى رقدوا./ لأخرجن من الدنيا وحبكم بين الجوانح لم يشعر به احد./..!!
|