خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر العادات والعيش والثقافات
ملحق ثقافي 25/4/2006 رياض جرمـق المرأة وعاداتها إن لهو المرأة و تسليتها كان محدودا بالذهاب ثلاث مرات بالأسبوع للصلاة (لحضور القداس) ثم تلتقي بعد الصلاة مع صديقاتها. وأيضا بالذهاب إلى الحمام مرة كل عشرة أيام , دون أن ننسى الزيارات العائلية للصديقات والأقارب .
و كنّ هنّ أيضاً أنيقات جداً ويصرفن الكثير من أموالهن على الملابس والحلي . أما المرأة المسلمة فكانت حياتها الاجتماعية تنحصر بذهابها لزيارات نسائية تسمى حفلات القُبول : للّهو والرقص وتمضية الوقت . وأيضاً إلى الحمام . الأناقة الحلبيّة كان لباس المرأة عامة يشبه لباس الرجال ، إذ كان يحتوي على قمباز أكثر ضيقاً من قمباز الرجل وقميص من الحرير الخفيف يصل إلى القدمين ، وسلسالً ذهبي يتدلى على الصدر، أما الزنار فكان مزركشاً, وكانت ترتدي بأرجلها أحذية ملونة لكن لم ترتدِ النساء البنطال مطلقاً إذ كان مخصصاً للرجال. وكن يزينّ رؤوسهن دوماً بريبان ناعم من الموسلين ويشكلنه بدبابيس من الألماس مع أزهار طبيعية واصطناعية . أما الفراء المحبوب جداً فهو فراء السمّور وهو حيوان صغير كان متوفراً في بلادنا به كنّ يزينّ ملابسهن. أما أيام الأعياد فكن يتزينّ بالحلي كالخواتم وعقود اللؤلؤ حول العنق ، حلق للأذان وأساور وخلاخيل ... كان التبرج نادراً عدا بودرة الوجه وكحل العين ، لكن بدون أحمر الشفاه. أما الشعر فكان يسرّح بطرق مختلفة ، فالمسيحيات منهن كن يعملنه على شكل ضفيرتين والفتيات المسلمات على شكل ثلاث ضفائر أما اليهوديات عدة ضفائر . حتى أنه كانت العادة إطالة الشعر بضفائر من الصوف ليعطي هيئة بأن شعرهن غزير جداً (نرى هذه العادة حتى الآن في قرانا) . كانت المرأة تسلك هذه العادة إلى حين زواجها إذ كانت تقص شعرها مهما كان جميلاً لتستبدله يوم الزفاف بكوفيّة من الصوف بهيئة شعرها مع غرّة من الأمام وعدد من الضفائر من الخلف ، لكن هذه العادات ما لبثت أن تلاشت وأخذت أغلب النساء يقصصن شعرهن ويرفعنه بشكل تاج يزيَّن بدبابيس من الأحجار الكريمة . الحالة الاجتماعية للمرأة الحلبيّة في الماضي لم تكن الثقافة الزائدة مطلوبة للمرأة: فالأغلبية منهن كن أميّات والاهتمام بالدراسة كان قليلاً فكن لا يتكلمن إلا لغتهن الأم أي العربية . لكن بالمقابل كن يتقن أعمال التطريز والمخرز كما وكانت النساء الحلبيات متخصصات بالأعمال البيتيّة كالمؤن والمربيات المشهورة بها مدينة حـلب:مربي الجوز مربي الباذنجان ، مربي الكبّاد الذي اشتهرت منطقة حلب بنمو أشجاره ، هذه المربيات كانت تقدم في المناسبات الكبيرة كالزفاف والأعياد و العمادات . كما وتوجد في حلب أكلة خاصة بها اسمها «الهيطليّه» هي عبارة عن مهلبيّة توضع عليها بوظة من القشطة وماء السكر وقليل من ماء الزهر وتؤكل في أيام الصيف الحارة . ويجب ألا ننسى حُب أهل سورية والحلبيين خاصة للقهوة فهم يخصصون لها وقتاً وأفضلية تصل إلى القدسية أحياناً. كانت المرأة الحلبيّة المسيحية في دارها تتمتع بحرية التبرّج والخروج بدون غطاء أمام زوارها دائمي التردد كالأطباء والكهنة والخدم الذكور. وكان لها عادات مميّزة كتقبيل أيدي الكهنة والزوج والأشخاص المسنين في أثناء تقديم القهوة ، ذلك للتعبير عن الاحترام وخاصة للمسنين منهم . كما وكانت تتمتع المرأة بثقة بالنفس في أخذ المبادرة في الأحاديث واللقاءات العائلية ، مستعملة مفردات منتقاة بكل احترام مع عبارات ترحيب منمّقة بذوق رفيع . عادات غريبة لم تكن كل العادات المتبعة بديعة ، للأسف كانت تنتج عن بعضها عواقب مزعجة غالباً, كالبقاء مطولاً في الحمّامات مما يفقد وعي بعضهن أو يُصبن بعسر الهضم ، إذ كن يجلبن معهن أكلهن ودخانهن وقهوتهن ليكملن نهارهن بأكمله في الحمام . فما إن يحلّ الظلام حتى يعدن إلى منازلهن سعيدات . ففي الحمام كانت الحلبيات يستعملن الحنّة لشعورهن وأيديهن وأرجلهن والأظافر ، مع استعمالهن البيلون الممزوج بعطر الورد (ترابة معطرة) وتفريك أجسادهن بكيس يسمى كيس التفريك . وكانت بعض النسوة يُصبن بعسر الهضم أو انسداد الأذنين ... «النساء كن يجدن في الحمام المتعة والتسلية التي كان يجدها الرجل في المقاهي , فكل الأخبار الجارية في المجتمع. لباس الرجال إن لباس الرجال كان أكثر تعقيداً من لباس المرأة ، إذ كانوا أيضاً يرتدون بشكل عام القُمباز (وهو قميص طويل) صيفاً مع إضافة سترة أو سترتين شتاءً إحداهن قصيرة بمثابة سترة ومن فوقها مانطو ، والكل مبطّن من الداخل بفراء الثعلب أو السمّور بحسب الوضع الاجتماعي للشخص . وكان الحزام إلزامياً , ويختلف من قماش شعر الجمل إلى الحرير إلى شال من الكشمير الثمين للأغنياء ملوّن برسوم . أما القماش المستعمل لصناعة القمّباز فكان يصنّع في حلب وعلى نول يدوي إما من القطن أو من الحرير الطبيعي الوارد من إنطاكية أو لبنان حيث كانت تربية دودة القزّ رابحة جداً مما أغنى أهلها . وتسمى قطعة القماش هذه المعدّة لصناعة القُمباز «صايه» وهي تماثل اليوم شقفة القماش ، ومن بين أنواع الصايات قماش ملون ثمين للغاية يسمى «سبع ملوك» آخر صيحة آنذاك ويستعمل لصناعة القميص . هذه الألوان كانت سبعة ألوان لملوك الجان : الأحمر والأخضر والأصفر والأزرق والأبيض والأسود والرملي . وكان غطاء رأس الرجل العمامة , ولها لون واحد عند المسلمين الأبيض أو الأخضر ... و لونان عند المسيحين . والطربوش في القرن التاسع عشر وهو نوع من اللباد الأحمر- الخمري مع شرّابة من خيوط مبرومة من الحرير الأسود . وكان يُلف الطربوش بثلاثة أدوار من قماش حريري أو من الأغاباني (وهو حرير مطرز بالأبيض والذهبي) للتجار وللعامة . أما العلماء فكانوا يلفّونه بقماش أبيض و رجال الدين المسيحي بقماش أسود وبقي هكذا حتى يومنا هذا. وكانت الأحذية عبارة عن جزمة قصيرة صفراء أو حمراء بنعل سميك بشكل بابوج يختصّ بتصنيعها الحذاؤون المسلمون ، أو عبارة عن حذاء أسود كان يصنع خصيصاً من الحذاءين المسيحيين . وكان الرجال يضعون مصاغاً بقدر النساء : ساعات مع سِلسال ذهبي أو فضي يتدلى على الحزام , خواتم مختلفة توضع حصراً في خنصر ( أصغر إصبع ) اليد اليمنى , خاتمان متتاليان الأول من الفيروز الأزرق والثاني من العقيق الأحمر، تشير إلى أن هذا الشخص له قيمته ومكانته في حارته . التعليم كانت المدارس تابعة للكنائس أو للجوامع وكان التعليم فيها بدائياً ، إذ كانت تعلّم فقط القراءة والكتابة . كان التلاميذ يَصِلون صباحاً ومعهم زوّادتهم أو كان أهلهم يرسلونها إليهم ظهراً , فيأخذ المعلّم منها حصة ليأكل هو وعائلته . أول ما يبدأ المعلم بتعليمه القراءة بالتهجئة ومن ثم المقامات والرسائل وخلال سنتين أو ثلاث ينهي التلميذ دراسته . كان المعلم شديداً جداً يعلّم التلاميذ بالعصا إذ كان أهلهم يؤكّدون في كل مناسبة :” اللحم إلك والعظم إلنا “. فبالنسبة إلى المسلمين كان التعليم يقتصر (بعد طهور الطفل) على قراءة وحفظ القرآن الكريم من قِبل «شيخ الكتّاب» وهو ليس بالضرورة رجل دين لكن له خبرة وباع طويل في التعليم والتعامل مع الأولاد . أما اليهود فكانوا يرسلون أولادهم إلى المدرسة حتى يتعلّموا مزامير داوود . قلّة من اليهود مَن كان يعمل بالأعمال اليدوية إذ كان أغلبهم من التجار وكان لهم سوقهم الخاص بهم لبيع اللحوم المذبوحة على طريقتهم من قِبل “ الحاخام “ رجل الدين اليهودي . وكانوا أيضاً يأكلون الخضار والدواجن المذبوحة في منازلهم. كرم الضيافة الحلبي ذو طبيعة مضيافة , ففي القرن الثامن عشر كان يستقبل المسافر والضيف في البيت للأكل كما للنوم وذلك لعدم وجود الفنادق حينها . وعند الجلوس للطعام كانوا يضعون الأطباق على حصيرة مباشرة على السجادة : ويمدّون بكل بساطة على الأرض مفرشاً أو يضعون طاولة دائرية ارتفاعها من 20 إلى25 سنتيمتراً توزّع عليها الملاعق الخشبية والخبز . والكل جالس على الأرض بلا كراسٍ أو ديوانات ففي حينها كان وجودها نادراً . وقبل النوم بقليل يفرشون للضيف في الغرفة نفسها الفراش ومن فوقه حرام ولحاف . وكان الحلبيون مسلمون ومسيحيون يعيشون بعضهم مع بعض بمحبة وتعاون وتآخٍ منقطع النظير، ولكن لكلٍ منهم عاداته وأعرافه وتقاليده الدينية ، وكانوا سوية يشكّلون فسيفساء ملونة وحيّة باستمرار, وهذا ما كان مصدر غنى للحلبيين الأولين . عادات حلب وتقاليدها ـ القرن الثامن عشر والتاسع عشر Us & coutumes XVIIIe – XIXe s. ALEP المراجع المستخدمة : رحلة إلى سورية ومصر _ لفولني الإفرنج في حلب في القرن الثامن عشر _ لوديع قسّطون وثائق تاريخية عن حلب - لفردينان توتل نهر الذهب في تاريخ حلب - للغزي المركيز دي نوانتيل - رحلات
|