تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الفنان عبد الرحمن مهنا ملامــــح مشــــواره الفــــني

ملحق ثقافي
25/4/2006
حسن بيضة

الطفل الرسام عبد الرحمن مهنا عندما استيقظ هذا الطفل المرهف على صباح الحياة؛أخذ يرنو بعينيه الصغيرتين إلى الجامع فأبصر تلك الألوان الفاتنة التي بهرت عيونه المتفتحة للجمال، ولما كبر ذهب مع رفاق مدرسته إلى قلعة حلب، وتأمل في نقوشها وصلابة بنائها، وجمال الخطوط والرسوم على الجدران فهاله الأمر، واستبد به الهوى.

ولما تدرج في دروب الحياة تجول في متحف حلب، ودرس حضارة بلاده على مرِّ الأزمنة، وأبصر اللوحات والقطع الأثرية فيه، فدرس منها بعمق، ثم راح يقلد أحياناً حتى استوت ريشته واثقة، ثم يمم شطر أعلام الفن في حلب الذين سبقوه، منهم الفنان « وحيد استانبولي، لؤي كيالي» حتى برع وشهد له معلموه بتفوقه، وعند ذلك نزل إلى ساحة الفن رويداً رويداً خائفاً حيناً، واثقاً من نفسه أحيانا. كما وقف فناننا أمام أبواب حلب التاريخية يسألها عن الفنانين الذين شاركوا في تشييدها، وكم تجول في بيوتها القديمة فاستمع إلى أصوات المهرة وهم يزخرفون النوافذ، كل ذلك كان له زادٌ تاريخي.‏

الفن والحياة: «الفنان قد يضحي بوجوده كإنسان في سبيل الاحتفاظ بوجوده كفنان» تلك مقولة قرأتها، في عقلي، فلقد عايشت كثيراً من الفنانين في بلادي، فرأيت أعمقهم في فهم الفن ورسالته ذلك الفنان الذي نأى بجسمه وحياته عن عالم الواقع، وطار يحلق في دنيا رؤاه. الفنان عبد الرحمن درس الفن دراسة خاصة ومن تجاربه الذاتية وأكاديمية في كلية الفنون بدمشق، وتفوق فيها، ولكن عشقه لفنه، لحاراته القديمة، لتاريخه العريق، لأمته المجيدة شده أكثر إلى عالم اللوحات، فراح يرسم الأزقة القديمة في مدن سورية، وخاصة في حلب: تلك المدينة التي أرضعته، فأعطاها الفن النقي، ووهبها ضياء عينيه، وهو أغلى ما يملك في الحياة، يجلس الساعات الطويلة في مرسمه يناجي ربات الإلهام، ويغوص في زوايا الذاكرات، فيرسم البيوت التي حنت عليه كما والدته ترعاه بوهج قلبها، فحفظ لها ولأساتذته ذلك التقدير السامي والحب الصادق. معه ومعارضه: جلست مع الفنان عبد الرحمن جلسات عدة، تبادلت معه هواجس الفن، وسألته كثيراً عن مشاعره التي تطبع لوحاته، فكنت أسمع وحبيب قلبه ينسكب في تلك البيوت الشعبية، والحارات الأثرية، وأصغي أمام ألحان فؤاده انسكبت على ريشته في تلك اللوحات، وخاصة لوحة «باب المقام» الذي خلد فيها هذا المكان وكأنه من نتاج عقله وقد مزج بضربات قلبه. فالريشة صبت لحنها في تلك الخطوط. كل عام يقيم معرضاً في حلب ، وفي دمشق، ويشارك في معارض عالمية،فيترك طابعه متميزاً، وأسلوبه فريداً، يستعمل في كثير من أعماله اللون الأسود، لأنه لايريد إلا جمال الجوهر، وينأى عن جمال الشكل. إنه عميق في تفكيره ، عميق في أدائه، عميق في وفائه وإخلاصه. ملامحه الفنية: الفنان عبد الرحمن في عينيه قلق الحياة وعمق الفن، لذا باع كثيراً من حياته للفن، أنظر إلى وجهه، وأتأمل فيه: وميضاً مشرقاً، وتأملاً عميقاً، خطوط ألوانه كأنها فرزت من شبكة عينيه تفرز تلك اللمسات التي ارتقت إلى مصافي الفن الخالد، لأنه يملك الوفاء لعمله. فتراه في مرسمه يحوم ويطير ويحلم، ثم يعود إلى مرسمه ليخيط بذلك ما جادت به قريحته. إنه إنسان أخذ من الانسانية صفاءها . في مرسمه عام (6991) الفنان عبد الرحمن فهو ابن حلب: مدينة من الشرق ملفحة بشفق اللون،وموسيقا الإبداع،وبكل ما فيها من إحساس الجمال وعمق التفكير، فلقد تشرب عبد الرحمن من رحيقها، وتأمل فتنة اللون في أرضها وسمائها، وعشق الفن فوهبه حياته، ولكنه في صراع مستمر مع الواقع، مع الحياة والمثال الخالد، يعيش بين الناس في عمله بنقاء المبدع، وشفافية الخلاق، تألم وتعذب، تلمح ذلك في وجهه ، ولكنه صبر، لأن رسالته، وهدفه نبيلان. جلست معه في مرسمه، ذكرني بالفنان البدائي الذي رسم على جدران الكهوف بعد أن رأى إشراق الشمس وصفاء السماء فعكس إحساسه في لوحات، فيها البراءة والبساطة، ولكن فيها أيضاً العمق في التجربة الفنية. لوحة جديدة له أن أسميها الأمل، جمال المكان، وسحر الجبال والسفوح، بيت متواضع في أحضان الطبيعة بين الزهور والجداول المنسابة: اللون الأزرق هو الغالب في لوحاته، يتذكر عبره لون السماء، ولون ماء البحيرات الساكنة. إنه الهدوء البشري الذي يسعى له الفنان في معترك الحياة الصعبة التي يحياها على هذه الأرض بين صخب الحضارة. يحن إلى أمه الطبيعة، فيعيش في أحضانها الهادئة، ويشرب من نبعها الذي لم تعكره نفايات البشر. حياة الفنان هي الهروب من الواقع المؤلم، ولكنه يبقى مشدوداً بخيوط إلى الأرض. أصغيت إلى همسات قلبه، ورأيت تجوال نظره في أركان مرسمه حيث الأحلام الوردية التي سكبها في لوحاته، وكذلك زوجه التي تشاركه رحلة الحياة الصعبة مع أولاد تفتحت عيونهم نحو الأفق يتأملون قوس قزح. بعض لوحاته الأولى على الجدران متكئة من تعب الحياة، تتبدى فيها بداية الفنان بريشة واثقة، وألوان منسجمة مع موضوعها، وخاصة لوحة (باب المقام، الفانوس ، المصباح) . إنه يفتخر بهذه البدايات التي ترصد تجربته الفنية المبكرة.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية