على مقدمة وخاتمة وعدة فصول تتحدث عن الروابط الثقافية والتاريخية بين العرب والأفارقة والتي تشكل أساساً للتشارك، وتمثل مرتكزاً للنضال المشترك ومواجهة العنصرية والصهيونية وكل أشكال الهيمنة والعدوان والاستغلال.
يؤكد الكتاب في بداية مقدمته أن هناك معطيات واقعية ترمز إلى المحتوى والمضمون المهم للعمل العربي- الإفريقي المشترك ومنها الامتداد السكاني والجغرافي العربي في القارة الإفريقية الذي يجعلنا كعرب شركاء في البيت الإفريقي وشركاء في كل تجربة إفريقية، إذ إن ثلثي العرب هم من الأفارقة، وأكثر من ثلثي مساحة الوطن العربي تقع في إفريقيا، وثلث سكان إفريقيا من العرب.
كما أن ما يربط بين الدول العربية والدول الإفريقية كما قال القائد الخالد حافظ الأسد «يندر مثيله بين أي مجموعتين أخريين من دول العالم، وما يربط بيننا يشمل الروابط التاريخية بين شعوب المنطقتين والحدود المشتركة على امتداد آلاف الكيلو مترات والتمازج الفعلي بين المجموعتين، فإفريقيا ممثلة في جامعة الدول العربية والوطن العربي ممثل في منظمة الوحدة الإفريقية (الاتحاد الإفريقي حالياً) ».
وإذا أضفنا إلى ذلك أن شبه جزيرة العرب بشمالها وجنوبها كانت دائمة الصلة بالقارة الإفريقية في جميع مراحل التاريخ على الرغم من أنها تقع في آسيا يتبين لنا مدى الروابط العربية- الإفريقية.
وإذا أخذنا بعين الاهتمام أن جميع «الفواصل» بين آسيا وإفريقيا هي عربية (باب المندب- البحر الأحمر- شبه جزيرة سيناء) وأن هذه «الفواصل» الطبيعية كانت دائماً عند العرب «وشائج» قربى وحلقات اتصال حضاري مستمر تبين لنا تهافت مفهوم «إفريقيا الخالصة» الذي هو في حقيقته انتزاع لإفريقيا ذاتها من تاريخها، هذا التاريخ الذي كان دائماً تاريخاً عربياً- إفريقياً مشتركاً..
ويرى الكتاب أن المسألة ليست مسألة الوجود العربي في إفريقيا فحسب، وإنما مسألة التفاعل العربي الإفريقي على مستوى الوطن العربي والقارة الإفريقية ككل والشعور المشترك بالمصير الواحد من عصر التحرير العربي والإفريقي، لقد وقفت الدول العربية والإفريقية معاً في كفاح مشترك ضد العدو المشترك.. وفي ذلك قال القائد الخالد حافظ الأسد: «العرب والإفريقيون.. ناضلوا طويلاً ضد الاستعمار التقليدي، ولايزالون يناضلون اليوم ضد الاستعمار الاستيطاني وضد استغلال الإمبريالية لثرواتهم الوطنية».
ويرى الكتاب أن لتطور العلاقات العربية- الإفريقية انعكاسات إيجابية على الطرفين العربي والإفريقي.. ولذلك دعت مؤتمرات منظمة الوحدة الإفريقية (الاتحاد الإفريقي حالياً) من البداية إلى تقوية أواصر الحوار العربي- الإفريقي.. وطالبت بعقد لقاء عربي إفريقي على مستوى القمة.. وتحقق هذا في انعقاد أول قمة عربية إفريقية في القاهرة في آذار 1977.. فالواضح أن العلاقات العربية- الإفريقية تعاني من ركود ليس له مايبرره من أواخر السبعينيات، والذي حدث خلال الفترة الماضية أن مواقف إفريقيا تطورت في اتجاه دعم كامل للقضايا العربية ولاسيما القضية الفلسطينية، حتى إن الدول الإفريقية التي أعادت علاقاتها الرسمية مع «إسرائيل» خلال السنوات الماضية لم تتراجع عن مواقفها المؤيدة للحقوق الفلسطينية.. وبالمقابل تؤكد الأرقام أن المساعدات المالية العربية لإفريقيا زادت بشكل ملموس في منتصف السبعينيات، على الرغم من أنها تناقصت نسبياً خلال الثمانينات مع تراجع أسعار النفط..
وقد أصبحت هناك تقاليد للعون العربي لإفريقيا من خلال الأدوار التي يقوم بها المصرف العربي للتنمية الاقتصادية في إفريقيا، والصندوق العربي للمعونة الفنية لإفريقيا.
كما أن مرتكزات الحوار العربي- الإفريقي يجب ألا تقتصر على معادلة: المساعدات العربية مقابل التضامن الإفريقي مع القضايا العربية، لأن هذه المعادلة مشوهة في شكلها هذا ولاتشير إلى طبيعة الروابط التاريخية والثقافية والاقتصادية والسياسية التي تربط العرب بالأفارقة. . كما أن هذه المعادلة لاتشير كذلك إلى ماهية المصلحة المشتركة بين الطرفين في النضال من أجل نظام عالمي جديد يكون في جانبيه السياسي والاقتصادي وفي كل جوانبه الأخرى أكثر عدلاً وإنصافاً لمجموعة الدول النامية التي تضم الدول العربية والدول الإفريقية على حد سواء.
وإضافة إلى الروابط التاريخية والثقافية كعامل مهم أول يحدد العلاقات العربية- الإفريقية، وإلى المصلحة النضالية المشتركة في الواقع العالمي الراهن كعامل ثان، هناك عامل ثالث لايقل أهمية عن العاملين السابقين، ويتلخص في اشتراك الطرفين العربي والإفريقي في مواجهة العنصرية وجميع أشكال الهيمنة والاستغلال من أجل توطيد حق الشعوب في الاستقلال.
إن هذه العوامل التي تشكل مرتكزاً متكاملاً ومنطلقاً صلباً لتعميق مضمون الحوار العربي- الإفريقي والارتقاء بشكل الترابط العربي الإفريقي وأساليبه وهيئاته ومؤسساته، إنما هي عوامل تتسم بالاستمرارية وبالتوجه الاستراتيجي طويل الأمد، وهي لهذا تتطلب من الطرفين تكثيف الجهود الأفرو- عربية وتعزيز الاتصالات سواء على مستوى العلاقات بين الأقطار أم بين المنظمات والمؤسسات، أم بين القوى السياسية والاجتماعية بهدف التوصل إلى صيغ أفضل لهذا التعاون الشامل ليدخل حيز التنفيذ وليكون العرب والأفارقة على مستوى تحديات القرن القادم.
ولاشك في أن التعاون العربي الإفريقي يخدم قضايا الحرية والعدل والسلام ليس في منطقتنا فقط بل في العالم قاطبة.