إن ثمة من يتربص بها في شتى أصقاع العالم حتى بتنا لا نستطيع التمييز بين أعدائنا الحقيقيين وخصومنا الوهميين، وأصبحنا ننظر إلى العالم أجمع كأعداء يستهدفوننا .
يقف الرئيس الأمريكي باراك أوباما في رأس قائمة الأعداء، إذ إنه ابن حسين، الذي ينبئنا اسم والده دون شك عن جذوره التي ينتمي إليها. فماذا يمكن أن نتوقعه من رئيس له هذا النوع من الأصول وخاصة في ضوء ما بدأ به ولايته من خطابين أعرب بهما عن رغبته بمد جسور الصداقة مع العالمين العربي والإسلامي، ولم يتقدم لنا بالوسائل التي يتمكن بها من إقناعنا بجدوى العقوبات التي يفرضها على إيران.
بالنسبة لروسيا فليس من وصف جديد يمكن أن نطلقه عليها، إذ كانت أصلاً تكن العداء لنا منذ أمد بعيد، وهي على علاقة وثيقة مع إيران حيث ساعدتها على بناء المفاعل النووي، واتفقت على بيعها صواريخ من نوع إس 300 المضادة للطائرات. أما بالنسبة لبريطانيا فإننا لا نثق بها، ليس لأسباب تتعلق بشجبها لما أقدمت عليه إسرائيل عندما هاجمت أسطول المساعدات، ومحاولتها محاكمة عدد من الضباط الإسرائيليين وحسب، وإنما لأسباب تتعلق بمقاطعتها استيراد بضائع من إنتاج المستوطنات، ومقاطعتها التعامل الأكاديمي مع جامعاتنا. كما أن النرويج والسويد اللتين عرف عنهما كياسة التصرف قد اتبعتا ذات الأسلوب البريطاني ، وربما بدرجة أسوأ، حيث أعلنت كل منهما عدم قدرتها على فهم دواعي الارتكابات والحصار الذي تقوم به إسرائيل ضد مليون ونصف المليون فلسطيني في قطاع غزة .
عدو آخر ليس من داع لذكر اسمه ألا وهو رئيس الحكومة التركية، لأن ذلك الرجل قد أغضبنا بإدلائه بعدة تصريحات ضد إسرائيل، وأرسل أساطيل باسم المساعدات الإنسانية، ويحرض آلاف الأتراك على الهتاف بالقول « إسرائيل اذهبي إلى الجحيم»، ووقف ضد فرض العقوبات على إيران في مجلس الأمن .
نضيف إلى قائمة الأعداء الكثير من الفنانين وفرق الروك التي ألغت عروضها في إسرائيل حيث اتهمناهم بشكل فوري وجماعي بالمعاداة لإسرائيل إن لم ننعتهم بمعاداة السامية .
وفي الداخل يوجد طابور خامس لايختلف ممثلوه في الكنيست كثيراً عن الخونة الداعمين للإرهاب.
إن ما دأبنا على قوله من أن إسرائيل دولة صغيرة يحيط بها الأعداء من كل جانب قد خدمت في الماضي سياستنا الخارجية على نحو كبير على مدى عدة عقود، وأفضى إلى تعاطف ودعم كبيرين من الكثير من الدول الغربية التي أقامت علاقات وثيقة معنا، وتمكنا بها من إقامة علاقات مع تركيا التي كانت تشاطرنا النظرة إلى العرب. وقد كان لهذا الإدعاء الأثر البالغ في الحصول على مساعدات وتبرعات من جهات مختلفة .
عندما يقف العالم على أن بلادنا قد بذلت الكثير من المساعي لزيادة أعداد المعادين لها، فإن الحديث عنها لن يكون عما نصاب به من ذعر إزاء الإساءة لعلاقاتنا مع العالم. بل سيكون عن ممارستنا لاستراتيجية فعلية تهدف إلى تحقيق هذا الأمر، ذلك لأننا لا نكتفي بالقول: إننا محاطون بأعداء يهددون وجودنا فحسب، بل إننا محاطون بعالم شيطاني لا يرغب بفهم مواقفنا .
يمكن لتلك الاستراتيجية أن تحقق النجاح إن كان من أهدافها حشد الرأي العام الإسرائيلي وتوحيده حول الحكومة لأنه كلما ازداد العداء لإسرائيل فإن الشعب سيكتنفه الخوف بشكل أكبر ويزداد تمسكه بهذه الحكومة،وليس لتلك الاستراتيجية من استثناءات لأحد، إذ ينبغي على كل مواطن إسرائيلي أن يرفع صوته عالياً بشجب أي انتقاد لقوات الدفاع الإسرائيلي أو الدعوة لتشكيل لجنة تحقيق دولية ولكل من يوجه أي إشارة لما ارتكبته إسرائيل من تصرفات تتنافى مع القانون الدولي إزاء أسطول المساعدات وإلا اتهمناه بخيانة البلاد.
يؤكد الواقع فشل تلك الاسترايتجية لأن الولايات المتحدة وأوروبا وبعضاً من الدول العربية تشارك إسرائيل نظرتها باعتبار كل من حماس وحزب الله منظمة إرهابية وجميعهم لا يرغبون برؤية إيران تمتلك إمكانيات نووية، علماً أن تركيا لم تقرر العداء لإسرائيل بشكل مفاجئ،ولم ترتبط بإيران باعتبارها جمهورية إسلامية فحسب، ذلك لأننا نشاهد توثيقا لعلاقاتها مع سورية العلمانية. أما لبنان الذي تضم حكومته ممثلين عن حزب الله فإنه لن يعارض العقوبات التي فرضها مجلس الأمن على إيران بل اكتفى بالامتناع عن التصويت .
ونافلة القول، نرى إن إسرائيل عندما تشير إلى أعدائها الحقيقيين فستكون قادرة على إقناع العالم بهواجسها ومخاوفها منهم. لكن عندما يتوسع في هذا القول لتشمل به مليوناً ونصف المليون فلسطيني يعيشون في غزة وتعتبرهم جميعاً أعداء لها في الوقت الذي تنأى بنفسها عن تطبيق قرارات الأمم المتحدة ولا تتصرف بشكل جدي لتحقيق أي تقدم في العملية السلمية التي تمكنها من تخفيض عدد أعدائها، فلا ريب بأن تصرفها هذا سيجعل الجميع لا يثقون بكل ما تطلقه من ادعاءات إزاء السلام. وعندها سنلقي بالملامة على هذا العالم الشرير الذي لم ينضج بعد ليتفهم ما نهدف الى تحقيقه.
بقلم: يوئيل ماركوس