تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


بعض الحقيقة..كل التضليل..

إضاءات
الثلاثاء 21-4-2015
سعد القاسم

انتقد صديق ما قلته حول معركة «ميسلون» خلال ندوة تلفزيونية بمناسبة ذكرى الجلاء، حين تحدثت عن بعض الوقائع المتعلقة بالمعركة، التي يتراوح وصفها بين التخاذل والغدر والخيانة..

رأى الصديق أنه بمناسبة جليلة كذكرى الجلاء يجب فقط تأكيد قيم البطولة والتضحية التي عبرت عنها الوقائع التاريخية منذ أول رصاصة أطلقت في وجه المحتل الفرنسي، وحتى رحيل آخر جندي من جنوده عن التراب السوري، وفي هذا الإطار لا مبرر للحديث عن حالات لا تلتقي مع تلك القيم، خاصة أنها حالات مجهولة من أكثر الناس..‏

في الواقع أن هذه النقطة تحديداً هي ما دفعتني للحديث خارج ما هو مألوف في مناسبة كهذه، وأعني تمجيد البطولة والتضحية التي أظهرها رجال (ونساء) خلال النضال الدامي لأجل استقلال سورية، وإغفال نقيضها الذي أظهره نقيض لهم في القيم والسلوك. ذلك أني أرى أن بعضاً من تمجيد المواقف النبيلة في أوقات بالغة القسوة يكمن في استعادة تلك الأوقات، و تسليط الضوء لا على بطولة المخلصين الأوفياء فحسب، وإنما أيضاً على سلوك الأشخاص الذين لم يكونوا بقدر المسؤولية الوطنية والأخلاقية، فالسلوك المدان لهؤلاء الأخيرين يمنح أضدادهم مزيداً من التقدير وفق القول المأثور: «والحسن يظهر حُسنه الضد»..‏

وما حدث بعد ذلك في التاريخ المتداول و(المناسباتي)، أن عباءة بطولة يوسف العظمة والثلة القليلة العدد من المتطوعين العسكريين، والأقل منها من المتطوعين المدنيين الذين حاربوا بشرف معه، أن هذه العباءة قد أخفت تحتها، من دون رغبة منها، كثيراً من المتخاذلين والخونة والعملاء الذين نسبوا أنفسهم إلى حدث مجيد هم براء منه، بل خصوم له. في كل الأحوال لم آت بشيء جديد، فتفاصيل ما حدث في معركة «ميسلون» موجودة بالأسماء والوقائع في غير مصدر موثوق ومتوافر للجميع، منها مذكرات ساطع الحصري، ومذكرات القائد العسكري صبحي العمري، ووثائق القائد العسكري تحسين الفقير قائد اللواء الأول الذي خاض المعركة تحت قيادة العظمة، والذي أخفى علم اللواء عن عيون المحتلين الساعين للحصول عليه طيلة فترة الاحتلال حتى تم تسليمه إلى قيادة الجيش بعد الاستقلال بمراسم رسمية احتفالية على أعلى مستوى. كما أن هناك مقالة شاملة للمحامي بشير موصللي متوافرة على شبكة الانترنيت.‏

أما عن القول أنها حالات مجهولة من أكثر الناس فهي حقيقة لا شك فيها، ولكنها حقيقة مؤلمة لأن الجهل يؤلم، سواء كان بسبب غياب الشغف بالمعرفة، أو بفعل التعتيم المتعمد. و واحدة من الحكايات التي لا تغيب عن ذاكرةٍ متألمة حكاية ذلك المدرس الجامعي الذي قاده حديث استفزازي من أحد طلابه ليتهمه مع زملائه بالجهل إلى أن قال متحدياً: «أشك أن معظمكم لا يعرف تاريخ استقلال سورية»..فكان الجواب (همهمات) مستنكرة دفعته ليسألهم فرداً فرداً عن هذا التاريخ، وكلٌ منهم يجيب برقم يبتعد عشرات السنوات عن الواقعة، باستثناء طالب قادم من الجولان المحتل ما أن نطق بالتاريخ الصحيح حتى انفجر زملائه بضحكة طويلة بلهاء مدعية ما ان انتهوا من (إنجازها) حتى استدار المدرس ليسأل الطالب الجولاني: «هل تدرسون في الجولان المحتل المناهج السورية أم الإسرائيلية؟» فأجاب الطالب سريعاً وقد أدرك غاية السؤال: « الإسرائيلية..لكن أهالينا يدرسوننا في البيوت المناهج السورية».. عقّب المدرس «لا أملك إلا أن أتوجه بالتحية إلى أهاليكم».. ثم نظر إلى باقي الطلاب، وقد شعر بعضهم بالخجل قائلاً:‏

«أما أنتم فلا أستطيع أن أقول لكم شيئاً»..‏

www.facebook.com/saad.alkassem

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية