حيث تجذبني بشكل واضح كبؤرة ضوء في لوحة غنية تسودها الألوان ذات القيم الغامقة وفي كل مناسبة ألتقي فيها بلوحة أو أكثر للفنان اشتي أشعر بدواخلي تتحرك على عدة مستويات، فالسطح التصويري بقيمه المفتوحة حاضر في الوقت الذي تتداعى فيّ الأفكار المثارة كمتلق إلى جانب حساسية التنقيب التي تتولد لدي في كل ركن من أجزاء العمل أمامي، فأتجول في التقنية والموضوع والمضمون كغيري من المتلقين الذين أرى على وجوههم انطباعات متعددة مستمتعين بما يرون. وعلى الرغم من عدم لقائي بالفنان وجهاً لوجه إلا مؤخراً إلا أن نتاجه كان كفيلاً بخلق جسر ثقافي فني وانساني يثير الغبطة لدي وبالطبع فإن الفضل يعود للفنان القادر على تأصيل تفاعله مع فنه والمحيط وتمثله لرسالة الفن كيفما كانت فلسفته في ذلك.
أما معرضه الحالي المقام في المتحف الوطني بدمشق والذي يحمل عنوان تكوينات رومانسية لهو صلة الوصول الأعمق إلى عوالم هذا الفنان وهو في هذا الزمن يقدم عدداً من الأعمال التصويرية بأبعاد متوسطة وأخرى كبيرة نسبياً إلى جانب اللوحات الصغيرة والدراسات (اسكتشات) على قطوع صغيرة من الورق تعد موتيفات للصياغات التشكيلية لديه وبعض اللوحات. واللوحات في معظمها مشغولة بوسائط لونية زيتية ومائية كالأكرليك اضافة لخوضه في الكولاج على سطوح مختلفة.
يبدو أن الحميمية سيدة الموقف في التأليف التشكيلي لمعظم الحشود التي تتصدر الأعمال ولو أن مجموعات الألوان اختلفت بين تلك اللوحات عبر رؤى تعبيرية متنوعة تتبنى مضامين غنية في موضوعات متقاربة، فبعض من اللوحات استقطبت مجموعات حارة من القيم اللونية وأخرى كانت تحمل ما هو بارد كمحيط تنبثق منه توشيحات دافئة ولوحات أخرى حملت رماديات الألوان التي حركتها أداءات فرشاته العفوية التي تترك آثار شخوص مفعمة بالحركة والحياة تحطم محيطها الساكن والحيادي ومن الملاحظ أن التنوع اللوني هذا بين لوحة وأخرى سادته قيمة صارمة من بين القيم المتعددة الحاضرة، حيث إن الوحدة في الفعل التشكيلي من صياغة للشخوص وتناول للضوء وتأليف تصميمي ربطت الأعمال في كل واحد يمتاز بالرصانة وروعة الحضور اضافة للوحدة التي تظهر في كل عمل على حده.
إن التناغم اللوني الذي يرافقه الأثر الخطي الواثق والعفوي وتلك الصياغة المتفردة والتي تنوعت بين تبسيط وتحوير، بين اشارة سريعة وتمثيل مقتضب مختزل في اللوحات قد منحنا كمتلقين غنائية فريدة مكتنزة لجماليات متعددة وسطوحاً تصويرية غاية في الروعة.