متهمون كإعلاميين في مواقعنا المختلفة, بعدم فاعليتنا إزاء قضايا الطفولة, إلى حد الإساءة - غير المقصودة - بعدم الالتزام أحياناً, بأخلاقيات المهنة في تناول المواضيع المتعلقة بالأطفال, وإحراجهم ربما, ككائن إنساني حي, بالكتابة عنهم في تحقيقات فاضحة,
لها ذيول اجتماعية, كالتحرش الجنسي, والعنف والتسول والعمالة, وتجاوز ذلك إلى استخدام صورهم بشكل فاحش, في التعبير عن دعارة الانترنت, وفي مواضع الحديث عن الأطفال اللقطاء ومجهولي النسب, هذا عدا عن رصدهم - كصورة عابرة - في الكتابة عن ضبط شبكة تهريب الممنوعات, أو تصيد عصابة لترويج الدخان والمخدرات.. مع تجاهل الكثير منا, لعدم التعرض لأسمائهم الصريحة, واستبدالها بأخرى مستعارة, أو رموز, والمغالاة في نشر صورهم بلا تورية أو تعتيم, وكأننا نعمل بميثاق شرف غاب عن الوعي, أمام لهاثنا المحموم وراء السبق الصحفي, وانبهارنا باعتقال اللحظة الهاربة بلقطة مصورة, لا تخدم إلا أجندة تحقيق المجد الزائف للصحفي (اللامحترف) الذي يفترض في هذه الحالة أن يكون شاهد عيان على الحدث لا منفعلاً فيه...هدفه اعتماد الصورة كخبر بلا تعليق لتوثيق وقائع, وليس التشهير بأشخاص, ليغدو الإنسان مجرد وقود حي للخبر الذي تمحو لمعته دمعة طفل نحاصره بأسئلة جارحة نطرحها عليه بلا دراية, ونصب عليه وابلاً من تعليقات تفتقد إلى المهنية فنعيد إلى ذهنه ذكريات مؤلمة, وأمام هذا التحدي لا أزعم أني أكتب عنهم الآن دفاعاً بقدر ما أسعى إلى المواجهة مع الذات أولاً, ومع كل من يتناول قضايا الطفولة من منبر الإعلام الذي ننتمي إليه ممارسة وعملاً.
***
إذا انطلقنا من مسلمة أن الأطفال يشكلون نصف المجتمع, وقدر عددهم حسب آخر الاحصائيات ب (9 ملايين في سورية دون سن 18) فهل نبرر لإعلامي , عدم إلمامه ببنود اتفاقية حقوق الطفل? وآخر التحفظات عليها, بعد اقتراح رفع التحفظ عن المادتين 20-21 منها مؤخراًو المتعلقتين بمبدأ التبني.
> ما انعكاس هذا التحفظ على تطبيق الاتفاقية... وهل هناك مساءلة لعدم تطبيق مواد الاتفاقية من قبل الدول?
حد أدنى من الحقوق
ورد في إجابة مسؤولة الإعلام في منظمة الأمم المتحدة للطفولة - اليونيسيف الآنسة تمارا صائب عن هذا السؤال بالتحديد:
> > إن الموضوع عبارة عن متابعة رسمية فقط, ويعود للدول تطبيق تلك الاتفاقية.
وأضافت القول: أن هناك بنداً يسمح لأية دولة, أن تنسحب من الاتفاقية, ولكن للعلم فقط, فإن القوانين الدولية تطغى على القوانين المحلية, والاتفاقية تتضمن الحد الأدنى من الحقوق...
ولعل ما ذكرته تمارا, حرض في داخلنا كإعلاميين السؤال:
> وهل تلتزم (أمريكا) مثلاً بهذا الحد الأدنى من حقوق الأطفال بالحياة والأمان, والمشاركة, والنماء وكيف ومجازر لبنان والعراق وفلسطين تشهد?
ويبقى السؤال بلا جواب, لأن أمريكا لم تنضم أصلاً إلى اليونيسيف!!
نهج عمل
المشكلة كما تلخصها مسؤولة الإعلام في اليونيسيف أنه (يتم التعامل مع الطفل على أنه لا يفهم شيئاً, والمفروض أن يتم التعامل معه على أنه عاقل ويفهم كل شيء)..
فإذا فرضنا أن هذا نهج عمل, فكيف يمكن تفعيل اتجاهات القائم بالاتصال الإعلامي في الترويج لحقوق الطفل?
فاقد الشيء لا يعطيه..
بينت نتائج دراسة استطلاعية قامت بها وزارة الإعلام - مديرية الإعلام التنموي بالتعاون مع اليونيسيف عام 2005 ندرة معلومات ومعارف الإعلاميين بقضايا الطفولة ومشكلاتها, فمن خلال 222 مفردة تم سحبها من مختلف المؤسسات الإعلام بدمشق, ذكرت نصف العينة ثلاثة حقوق من اتفاقية الطفل التي تضم 54 بنداً, في حين لم تعرف 80% من العينة تحفظات سورية عليها. ومع تحفظنا بعض الشيء على نتائج هذه الدراسة, فجهل الإعلامي ببنود هذه الاتفاقية لا يعني في المطلق أنه أسقطها من منهاج عمله, بدليل أنه لا يكاد يخلو أرشيف صحفي من تحقيق أو مادة أو خبر عن الأطفال, وقضايا الطفولة متأصلة بالفطرة في وجدان كل إعلامي, قبل أن تتأطر في اتفاقية اعتبرت سورية في طليعة الدول التي صادقت عليها , لا أقول ذلك تنصلاً من المسؤولية, لأنه المطلوب منا بعد مرور 13 عاماً على مصادقة سورية على هذه الاتفاقية, أن نعرف في أضعف الإيمان وأن نعرف, وهذا ما ذهبت د.أميمة معراوي من جامعة دمشق - قسم الإعلام التي وضعتنا بهذا القول أمام مسؤولياتنا جميعاً كإعلاميين من واجبنا تحري كل ما يتعلق بقضايا الطفولة في صحافة استقصائية لا تكون بغير النهوض بمستويات أداء الإعلاميين للوصول إلى إعلام تنموي متميز..
تحفيز وقياس
من هنا يرى السيد معاون وزير الإعلام (طالب قاضي أمين) ضرورة التركيز في ورشات عمل تدريبية تهدف إلى تحفيز وقياس أداء الإعلاميين في مختلف المؤسسات بالقطاعين الحكومي والخاص الآخذ بالنمو والاتساع والسعي من خلال نتائج هذه الورشات لتأهيل شبكة من الإعلاميين المتخصصين بقضايا الطفولة.. كما نوه من جانبه, مدير الإعلام التنموي في وزارة الإعلام الأستاذ مازن نفاع إلى أهمية الوصول لمقترحات عملية (قابلة للتطبيق على أرض الواقع لمعالجة قضايا الطفولة بحرفية عالية)..
في عود على بدء
يرى د. بطرس حلاق من جامعة دمشق - قسم الإعلام في استعراض تأثير الإعلام التلفزيوني والإذاعي, في عملية التنشئة الاجتماعية بعد أخذ (المجتمع السوري نموذجاً) يرى عدم كفاية هذه البرامج للتعريف باتفاقية حقوق الطفل, إذ قرر الغالبية العظمى من الأهل بنسبة 92% من العينة المدروسة في بحث استقصائي أجرته وزارة الإعلام - مديرية الإعلام التنموي بالتعاون مع اليونيسيف خلال عام ,2005 قرروا أن وسائل الإعلام لا تقدم برامج تعريفية كافية حول اتفاقية حقول الطفل, بينما رأى 85% من العينة المختارة أن وسائل الإعلام السورية لا تلعب دوراً في عملية التنشئة الاجتماعية بما يتلاءم مع اتفاقية حقوق الطفل مقابل 15 % وجدوا العكس الأمر الذي يؤشر إلى افتقار الإعلام المحلي إلى الشعبية, وعدم جدوى البرامج المقدمة من وجهة نظر المشاهد السوري وهي نقطة ضعف أشار إليها أكثر من إعلامي, في ندوة شاملة عقدت في 6/11/2006 بمبنى وزارة الإعلام للإعلاميين من كافة المحافظات, الذين اتبعوا دورات تدريبية حول الترويج لاتفاقية حقوق الطفل بالتعاون ما بين وزارة الإعلام - مديرية الإعلام التنموي واليونيسيف بهدف عرض النتائج والمقترحات الواردة في ورشات العمل التي أقامتها المديرية مع اليونيسيف: الأمر الذي يضع الإعلامي أمام تحدي أنه غير قادر على التأثير في المجتمع, وعدم معاملته (كمهني) في مجال عمله, وفي هذا غبن وإجحاف كبيران, ودعونا نقيم اتجاهات القائم بالاتصال الإعلامي, انطلاقاً من تعريف هذا الإعلامي للطفل والبالغ في سؤال عبر...
من فمهم نبرئهم
طرح على عينة إعلامية منتخبة مؤلفة من (59 إعلاميا) عاملين في القطاع الخاص والحكومي (22) منهم من المحافظات و (11) من الصحافة المكتوبة, و (5) من القطاع الخاص, و (12) من التلفزيون, و (3) من أساتذة جامعة دمشق قسم الإعلام طرح على هؤلاء جميعا السؤال:
ما تعريفكم للطفل .. وما تعريفكم للبالغ?
فوردت إجاباتهم العفوية على النحو التالي:
العاملون في الصحافة المكتوبة:
< الطفل:(براءة - ذكاء - حب اطلاع - عفوية - تلقائية - مستقبل - حلم - لعب ومرح - فوضى - ضجيج - تربية - صخب - ألوان - ربيع - فضول - صدق - طيبة).
< البالغ : (العكس تماماً - تفكير - طموح - عقد - هموم - اندفاع - مشاريع - نفاق).
العاملون في الاذاعة والتلفزيون:
< الطفل: (مثابرة - مثالية - طموح - طيبة, حساسية - صدق - تجدد - تأمل - صراحة - غير متسرع - براءة-لعب-شغب-مشاكسة-وردة-صفحة بيضاء-عناد- حياة- مستقبل - مسؤولية - أساس - عفوية - مرح - حرية التعبير).
< البالغ: (شوائب - جسد - صدقية - كذب - مكركب - سريع الغضب - يستفز بسرعة -عصبية - طموح).
نشير إلى أننا سجلنا تلك الإجابات في إطار ثلاث فعاليات لورشات عمل عقدتها وزارة الإعلام - بين 18/4 ولغاية 3/6 من عام 2006 بهدف تدريب هؤلاء الإعلاميين وتمكينهم في تناول المواضيع التي تتعلق بالطفل, في رؤية مستقبلية طموحة لإعادة تأهيل شبكة متخصصة منهم بتناول قضايا وشؤون الطفولة على مستوى كافة المحافظات ومتابعة مشاركتهم في الورشات.
قواسم مشتركة
من خلال استقراء أولي لإجابات العينة الإعلامية المذكورة, نجد بينها قواسم مشتركة في تعريف الطفل والبالغ, ما يؤكد أنه هاجسهم الوجداني المشترك, مع ملاحظة تفاؤلهم وهم يعرفون الطفل, وتشاؤمهم وهم يعرفون البالغ الذي وصفوه (بالعكس تماماً)... فهو (شوائب وكذب ونفاق ومكركب وسريع الغضب والانفعال ويستفز بسرعة وعصبي وميال إلى العقد والهموم), والسؤال الجدير بالطرح هنا:
< ألا تعكس هذه المقارنة العفوية بين الطفل والبالغ من قبل العينة الإعلامية المختارة مستقبل أطفالنا - غير الواعد - إذا لم يتمتعوا بكامل حقوقهم ?!...
ثم ألا نجد في إجابات هؤلاء الإعلاميين تطورا في مكونات اتجاهات القائم بالاتصال الإعلامي رغم ما يحيط به من تحديات. حيث لا حماية للإعلامي من المساءلة القانونية والمحاكمة, ومعاملته كموظف حكومي, وعدم وجود الحوافز المالية وحتى المعنوية, وميثاق شرف غير مطبق, والافتقار إلى مرجعية مهنية في العمل الإعلامي, وغياب الاستراتيجية في قيادة العمل الإعلامي الذي تسوده أفكار مشتتة, وغاب عنه العمل الجماعي, أضف إلى ذلك النقد الذاتي البناء لهؤلاء الإعلاميين خلال ورشات العمل الثلاث واعترافهم بانعدام الخلفية الأكاديمية للإعلاميين والتي لاتتصل بالعمل الإعلامي بشكل مباشر, وافتقاد غالبيتهم لمهارات استخدام الكمبيوتر والانترنت وعدم تحدثهم بأية لغة أجنبية ونقص خبرتهم في مجال تناول قضايا الطفولة وصعوبة التعامل مع الأطفال وميلهم إلى المغالاة واتخاذ مواقف شخصية تضعهم في خط المواجهة مع القائمين على عملهم في رأس الهرم الإعلامي المنفصل كلياً أو جزئياً عن آلام وآمال القاعدة من مختلف الكوادر العاملة في الإعلام بشقيه الخاص والحكومي, الأمر الذي ركزت عليه الانسة تمارا وهي تعرض أخيرا نتائج ورشات العمل الثلاث التي اقيمت مؤخرا لهذا الغرض ما يفرض علينا الآن وبالحاح:
تحديد احتياجات الإعلاميين ووضع أهداف قابلة للقياس على المدى البعيد, ووضع خطة تدريبية بالتعاون مع الجهات المعنية ولاسيما في مجال الانترنت واكتساب مهارات التحدث بأكثر من لغة, وتحديد أماكن تدريب إعلامية مناسبة بحيث يتسنى للكادر الإعلامي فرصة ممارسة ما تعلموه من مهارات جديدة مباشرة, وهو المقترح الذي قدمته الزميلة ديانا جبور مديرة التلفزيون, حيث دعت إلى الخروج من النمطية الأكاديمية في الإفادة من خبراتهم في تدريب الكوادر المحلية, والانطلاق من أرض واقع الميدان العملي في مواقع عمل الإعلاميين ليستفيد أكبر عدد ممكن من الكادر الاعلامي