( بوجوب عدم إعادة أي من الأراضي التي يتم تحريرها ) واحد أكثر المجاهرين والمدافعين عن إنشاء اسرائيل العظمى قد وعد الفلسطينيين بالأمس بإعادة مساحات واسعة من الأراضي, وتأسيس دولة لهم ذات اتصال جغرافي إلى جانب دولة اسرائيل.
رئيس الوزراء ايهود أولمرت أحد قادة حركة حيروت وابن أحد أعضاء الكنيست من تلك الحركة أيضاً أعلن على الملأ إبان المراسم السنوية لديفيد بن غوريون التي تقام في سديه بوكر بأنه سيعمل على اطلاق سراح الكثير من السجناء الفلسطينيين كبديل للأسرى الاسرائيليين, وإنه قد أعد برنامجاً جديداً (يحكم العلاقات بين الشعبين الفلسطيني والاسرائيلي )يساعد على وقف اطلاق النار في قطاع غزة , ويقود إلى وقف العمليات الإرهابية القائمة ضد الاسرائيليين في داخل اسرائيل.
إن تاريخنا برمته يتأرجح بين ما يحدونا من أمل في تحقيق السلام وما ننتهي إليه من يأس واحباط. لقد سمعنا الردود الغاضبة التي أطلقها المستوطنون واليمينيون بعد أن ألقى أولمرت خطابه ووقفنا على أن أقواله تلك لم تلق حماساً من المعسكر اليساري, أما القادة الفلسطينيون فقد أدلوا بتصريحات وتعليقات حذرة حول ما ورد من أقوال في هذا الخطاب.
لقد وعدنا مرات عديدة بتحقيق مستقبل وردي بين الشعبين الفلسطيني والاسرائيلي, لكننا لم نحصد سوى مزيد من خيبات الأمل المريرة والتوتر في العلاقات بين الشعبين.
لقد دأبنا خلال 40 سنة من الاحتلال على التعامل مع جيراننا الفلسطينيين بفوقية واحتقار يشعر به الفلسطينيون الذين يمرون عبر نقاط التفتيش التي يقيمها جيش الدفاع الاسرائيلي ويعانون منه في الذهاب والاياب من وإلى الضفة الغربية فضلاً عن حواجز الطرق التي يقيمها الجيش في داخلها, وسيجد أولئك المواطنون صعوبة كبيرة في تصديق ما قاله أولمرت وذلك في ضوء التصرفات المقيتة التي يمارسها الجنود الاسرائيليون تجاه الأطفال والنساء والمسنين, وما يعانيه الفلسطينيون أثناء جني محصول الزيتون من تعديات مستمرة يقوم بها المستوطنون عليهم, فضلاً عن الصراعات والاحتكاكات القائمة بين العرب واليهود في مدينة الخليل.
لا يوجد في الأفق شعور بالمصالحة:
لا يقتصر الغبن على الفلسطينيين في الأرض المحتلة فحسب لكنه يمتد ليشمل المواطنين العرب في اسرائيل الذين يعانون من التمييز بينهم وبين اليهود في شتى نواحي الحياة, وعلى الرغم من أن البعض منهم يشغل وظائف في الدولة أو يعمل في الشركات التجارية الكبيرة والصغيرة لكن عدد من يعمل منهم في تلك الجهات لا يتناسب مع عددهم في دولة اسرائيل وأن الاعتمادات المخصصة في الميزانيات للمجتمعات العربية في الشمال والجنوب من البلاد تقل كثيراً من مثيلاتها المخصصة للمجتمعات اليهودية في نفس المناطق, كما أن الاعتمادات المالية المخصصة للتعليم العربي أقل بكثير من المبالغ المخصصة للتعليم اليهودي, ولدينا الكثير من الأمثلة عن هذا الواقع.
إزاء هذا الأمر ,نرى أن الوصول إلى السلام يتطلب بالضرورة البدء بمعالجة الأمور الصغيرة القائمة مثل المعاملة المجحفة التي يلقاها المواطنون من قبل قوات الدفاع الاسرائيلي عند مرورهم بنقاط العبور, وتحكم المستوطنين الاسرائيليين بجيرانهم من العرب والتمييز العنصري الذي يلقاه المواطنون العرب من الاسرائيليين.
وبتقديرنا نرى أن تجاوز تلك السلبيات القائمة ستقود إلى تحسين العلاقات بين الشعبين ,لقد وجد الكثير من الفلسطينيين بأقوال أولمرت خطوة نحو تحقيق السلام إلا أنهم قالوا بصعوبة التوصل إلى علاقات طبيعية جراء اغفاله حق الفلسطينيين بالعودة إلى كافة أنحاء اسرائيل, وعلى الرغم من أهمية القضايا التي طرحها أولمرت في خطابه إلا أن هذا الخطاب لن يقود إلى تغيير حقيقي على أرض الواقع وليس هناك من بارقة أمل أن مصالحة وعلاقات طبيعية بين الفلسطينيين واليهود ستلوح في الأفق, وحتى بعد خطاب ايهود أولمرت فإن الأمور لن تأخذ مساراً آخر أفضل مما هي عليه إذ ستبقى النظرة إلينا كبلد وشعب احتلالاً في ضوء ما تقوم به من مصادرة لأراضي الغير ومنحنا حقوقاً لمن نريد وحجبها عن آخرين وسماحنا بالمرور عبر نقاط التفتيش لمن نريد فقط, وإزاء هذا الواقع فإذا استمرت الأمور على هذا المنوال فإن تحقيق السلام سيبقى بعيد المنال ومن المتعذر الوصول إليه.