والكتاب صادر عن دار السوسن في دمشق وهو من تأليف مجموعة من الباحثين الفرنسيين وهم (أوديل كاستيل وفرانسوا شينيه ودومينيل وهاريباي وهوسون وماسيا وكلود سرفاتي) ويتوزع الكتاب على مقدمة وخاتمة وعشرة فصول عبر 128 صفحة من القطع المتوسط وقدم له الباحث عماد شيحة وترجمته الباحثة رندة بعث.
يبدأ الكتاب بالاشارة إلى فرانسيس فوكوياما الذي اعتبر أن الديمقراطية الليبرالية واقتصاد السوق هما الضمانتان الوحيدتان لمجتمعاتنا الحديثة ثم عاد للتراجع عن هذا الموقف وانقلب عليه قائلاً بأنه لا يمكن للتاريخ أن ينتهي طالما لم تنته علوم الطبيعة بعد.
ويشير الباحثون إلى أنه طالما ظهرت في الماضي رؤى ونظريات تستشرق آفاق الآتي لكن أياً منها لم يتقمص لبوس النبوءة لرؤية عقائدية للمستقبل كما فعل منظرو العولمة خلافاً للمنطق ولحقائق التاريخ المعروفة.
ولما كانت العولمة بنظر الباحثين المذكورين ليست حتمية مثلما يدرك ذلك من حاول فرضها على العالم فمن الضروري نفض الغبار عن أوهام تجعل من حتمية العولمة (أيديولوجيا) تنفي عن نفسها كونها كذلك لأنها في المحصلة النهائية مجرد صراعات وتناقضات تعبر عن مصالح البشر.
وفي تفاصيل الواقع (العولمي) الذي يعيشه العالم يشير مقدم الكتاب إلى أن العالم أصبح يخصص يومياً 2.2 مليون دولار لانتاج الموت والدمار, كما تكفي تسعة أيام من الانفاق العسكري لتأمين الحاجات الضرورية لمئات الملايين من البشر, وأن صانعي السلاح وتجاره ومصدريه أصبحوا اليوم وكأنهم من يضمن السلام العالمي بعد أن ملكوا حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن وسيطروا على مؤسسات الشرعية الدولية, وباتوا يملكون سلطات اصدار القرارات في الأمم المتحدة وفي الهيئات المالية الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية.
والمفارقة الصارخة التي ينقلها الباحث في هذا الإطار أنه رغم أن قانون التصويت في منظمة التجارة العالمية هو جزء من بنية اتخاذها لقرارها إلا أنها لا تحتكم إليه أبداً, فداخل أروقتها تصنع قرارات تحويل شعوب بأكملها إلى مستحاثات في متاحف التاريخ.
وللدلالة على هذا الواقع العالمي المؤسف يتابع الباحث قائلا إن أميركا التي ترفع لواء العدالة ليل نهار ترفض اليوم اخضاع مواطنيها لمحكمة الجنايات الدولية وتفرض ذلك على شعوب العالم, وفي أميركا ذاتها يستولي واحد بالمئة من السكان على ما يقارب نصف ثروة البلاد ويعيش عشرات الملايين تحت خط الفقر المدقع.
أما في الفصل المعنون بالعولمة -أفق جديد للرأسمالية فيرى ميشيل هوسون أن أبلغ تعريف للعولمة هو ذاك الذي قدمه (بيرسي بارنيفيك) رئيس مجموعة اقتصادية سويسرية والذي يقول: (هي حرية كل شركة في مجموعتي في الاستثمار حيث تشاء ومتى تشاء وانتاج ما تريد وشراء وبيع ما تريد مع تحمل الحد الأدنى من ارغامات يفرضها التشريع الاجتماعي) كما يرى روبرت فينت أن العولمة تودي إلى ما فوق الامبريالية من خلال إنهاء دور الدولة وتدويل ملكية رأس مال الشركات الكبرى.
وفي حين يرى كلود سرفاتي أن للنزعة العسكرية وظيفة محددة في تاريخ رأس المال فهي تصاحب جميع الأطوار التاريخية للسياسات الاستعمارية, يرى ستيفاني تريبيه أن مبادىء العولمة تقوم على اضطهاد جميع العلاقات الاجتماعية.
باختصار كانت الأبحاث التي تضمنها الكتاب تركز على انتفاء أي وجه إنساني للرأسمالية التي تحاول أن تعولم الكوكب اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وعسكرياً رغم أن المؤلفين تلمسوا دروباً تفضي إلى عالم آخر (إنساني وممكن).