عندما سقطت حبة اللؤلؤ من جيبه التقطتها على عجل مخافة أن يراها كانت هذه إحدى وصايا أمي لا تلفتي انتباهه قد يمر في نزوة عابرة فلا تجعليها أنت دائمة.
حين انفردت بحبة اللؤلؤ وبتنا وحدنا استيقظت كل مواهبي البوليسية في البحث والتقصي عن صاحبة الحبة, قمت بجرد كل معارفنا وأقاربنا من النساء شممتها لم ألحظ لها رائحة حاولت أن أتذكر سهراتنا المشتركة من كانت تضع في جيدها عقدا من اللؤلؤ..كان امتحانا صعبا ولكني كنت على ثقة أنني سوف أعثر على ضالتي.
منذ أن ارتبطنا وأنا أعاني من زوغان نظره تجاه كل فتاة يصادفها وأعرف ذلك كان كافيا أن أراقب تجوال عينيه لأحدد الهدف..كنت قبلا أرفع كفي أمام عينيه وأقول له وبعدين معك استحي..احترمني..فيجيب وعيناه تلمعان بخباثة لا يا حبيبتي ألا تعرفين أنك تتربعين على عرش قلبي.
كنت أعتقد أنني صاحبة أكبر مشكلة في العالم ولكن يبدو أن الرجل دائما في حالة بحث مستمر عن الجديد بينما المرأة تكون قد استقرت مشاعرها وأيقنت بأنه الملك.
إحدى صديقاتي أسرت لي أنها اشترطت على زوجها منذ بداية علاقتها أنه كلما نظر الى فتاة سوف تنظر بالمقابل الى شاب, أعجبتني الفكرة للوهلة الأولى (ليش لاء) ماحدا أحسن من حدا, ولكن انتهت صديقتي بكف ضرب وجنتيها وقلبهما رأسا على عقب عندما عاندت زوجها ونظرت باتجاه شاب يجلس بجانبهما وقالت صديقتي ضاحكة (ضليت شهرين) على الشربة بعد الكف الظريف ذاك.هل من المعقول أن نفعل ما يفعله رجالنا نحن خلقنا للمنزل والطبخ والنفخ وتربية الأولاد أما هم فتزوغ أعينهم عند رؤية خيال أي فتاة وإذا حدث وتكلم مع فتاة يشتكي لها سوء معاملة زوجته وإهمالها له وانصرافها الى تربية الأولاد وهو المسكين الحمل الوديع بحاجة الى حب وحنان.
كل هذا جال في خاطري وأنا أتفحص حبة اللؤلؤ قرينة الاتهام واضحة أمامي ولكن ماذا أفعل هل أواجهه وأفتعل مشكلة لن تحل عقدته ولا عقدة أي رجل فما كان مني إلا أن رميت حبة اللؤلؤ, أما صوت قرقعتها على الأرض فقد أيقظ فكرة في بالي سوف أصنع لزوجي نظارات سوداء وفوق ذلك ستكون عدساتها من الحديد الصلب ولينظر بعدها ما شاء (لعمى شو ماعادوا استحوا).
***
لأنك رجل طبيعي
(العشرون هو السن الأمثل للعشق عند الرجل, وكذلك الثلاثون والأربعون والخمسون والستون والسبعون والثمانون والتسعون...)
لا يوجد ما هو أجمل من امرأة جميلة, هكذا يقول ماركيز, وكذلك لا يوجد ما هو أغرب من رجل لا تفتنه امرأة جميلة, كما لا يوجد ما هو أغبى من امرأة تعتقد بوجود رجل لا تفتنه امرأة جميلة.
هذه هي المسألة في الواقع: إن المرأة في إدانتها لولع الرجل بالنساء الجميلات فهي كأنما تدين أمراً طبيعيا, واحدة من سنن الكون وتحكمات البيولوجيا ... كأنها بالضبط تدين الرجل على أن شعراً ينبت فوق شفته العليا.
عندما تحتج المرأة على رجلها لأن له عيناً زائغة, فهي تقول ضمناً بوجود رجل آخر عينه غير زائغة, إنها وهنا المشكلة تقيس على نموذج غير موجود واقعياً, على مثال وهمي من تلك المثل التي نخترعها كي نجد العزاء لحياتنا ولكن دون أن يخطر لنا أن نصدقها.
المصيبة أن المرأة تؤمن بكل ما يقوله الرجل في أيام البدايات الحماسية..بكل تلك الوعود المقترنة ب (إلى الأبد), ولاسيما تأكيده بأنه لن يرى امرأة سواها, علماً أن كل ذلك لا يعدو كونه مثل الوعود الحكومية, ومثل تأكيد المسؤول بأنه لم يقبل بالكرسي إلا من اجل خدمة الناس, ومثل قسم المرشح لناخبيه بأنه سيحقق لهم جميع مطالبهم حالما يفوز...باختصار: مثل كل الأشياء التي وجدت كي لا يأخذها أحد على محمل الجد.
منذ سنوات والعالم المصري أحمد المستجير يدعو إلى نظرية غريبة تقوم على أن الجسد البشري أيضا يطلق فورمونات كالتي تطلقها الحشرات, وهذه الفورمونات البشرية هي المسؤولة عن تجاذبنا وتنافرنا, وقد توج المستجير نظريته باكتشاف مذهل إذ حدد الدافع الحقيقي للحب من أول نظرة: فورمون محدد يطلقه شخص محدد فيصيب شخصا آخر ويستحوذ عليه ...يا لها من نظرية عبقرية تجبر نساءنا أخيرا على تصديقنا بأن الأمر خارج عن إرادتنا.. انه شان من شؤون الطبيعة وما نحن الرجال سوى ضحايا مساكين. ومع ذلك فنصف نظرية العالم المصري صحيحة فقط وهو ما يتعلق بوقوع المرأة في الحب من أول نظرة عبر فورمون محدد من رجل محدد, أما ما يتعلق بالرجل فهو مختلف قليلا إذ يكون عرضة لأي فورمون من أي امرأة وفي أي وقت وهذا ما لم ينتبه المستجير إليه.
مع ذلك بإمكان نساؤنا أن يجدن من لا يلتفت إلى امرأة جميلة وهذا ال (من) ربما يكون أي شيء: كرسيا,ً باباً, أرنباً, عمود كهرباء.... ولكن بالتأكيد ليس رجلا.
ما الحل إذن ? بالتأكيد من حق المرأة أن تمنع رجلها من اللحاق بامرأة جميلة ولكن ليس من حقها أن تمنعه من الشهيق دهشة أو ضرب رأسه أو عض إصبعه تحسراً, تماما مثلما لا تستطيع منعه من الارتعاش إذا ما سكبت عليه (تنكة) ماء بارد عند الصباح أو من الصياح إذا ما دخلت أصبعه في النار.