يتيح لنا اكتشاف المصادر التي تعود اليها الحكايا الاحدى عشرة للكاتب الشهير بيرو . اذ انه ومنذ ظهورها في نهاية القرن السابع عشر اختلف المختصون حول مصدرها, هل تم توارثها شفهيا من جيل الى جيل ام تم نقلها كتابة, وبقي هذا الامر موضع نقاش حتى يومنا هذا . هنري غوغو يرى ان الرواة المعاصرين لهذه الحكايا هم مبدعون حقيقيون وناقلون لجميع الثقافات في آن معا.
فشارل بيرو مؤلف كتاب ( حكايا أمي وأوي) لم يكن ناقلاً لهذا الارث فقط بل كان مبدعاً حقاً لأن حكاياه ينبوع طفولتنا نعود اليها كما نعود الى عهد شبابنا لنغتبط ونندهش عندما نكتشف ان لا شيء قد تبدل , باب الجدة كما هو وكومة القش التي كانت سريرا لسندريلا ما زالت على حالها واماكن الاقزام السبعة هناك ايضا الثوب المتعدد الالوان كالزمن ينتظر عودة بنت الملك .. الخ .
لقد حقق كتاب ( قصص وحكايا الزمن الغابر) الذي نشر عام 1697 انتصاراً وبقي بمثابة نقش فرنسي بازميل عريق, وقد وضعت هذه القصص قبالة الآلهة الغيورة في الميثولوجيا اليونانية اللاتينية عصبة جديدة من الغيلان ( جمع غول) والاقزام والجن حرصا منها ان يكون وراء الاحداث عظة اخلاقية لأطفال العصر ويشير الى ذلك الكاتب برونو في كتابه ( التحليل النفسي لحكايا الجن) وقد عمل شارل بيرو على تعميق هذا المنحى التربوي لهذه القصص وحث ابنه بيير على توقيع الكتاب الذي حمل عنوان ( حكايا أمي أوي) لكن استبدال التوقيع سبب العديد من المشكلات في تاريخ الادب اذ انه وبعد ثلاثة قرون على صدور الحكايا ما زال المختصون يختلفون حول مصادر الحكايا المنشورة (الاميرة النائمة - ليلى والذئب - الذقن الزرقاء - القط الاعرج - الجنيات- سندريلات- ريكت في الهوب- الصوص الصغير) اضافة الى ثلاث حكايا شعرية وهي (تمريز ليدي - الامنيات المضحكة-جلد الحمار) فهل كان شارل بيرو هو من ابدع هذه الحكايا ام تناقلها كتقليد شعبي وجمعها من عامة الشعب?.. الرومانسيون يميلون للاحتمال الثاني لكن هذا التفسير لا يستقيم عندما نقرأ ( حكايا أمي) حيث تجتمع في مجلد واحد بدايات ونهايات الحكايا الاحدى عشرة ومن الواضح ان ما تركه شارل بيرو هو ارث ادبي كإرث ماري دوفرانس وجان لافونتين حيث رفض ان ينحو منحى كتاب عصره كونه اشهر الحداثيين فلم يستوح قصصه من بلوت كما فعل موليير ولا من اوريبيد كما فعل راسين ولا من ايزوب كما فعل لافونتين بل ا بدع حكايا الجن كما يكتشف الكنز فأخرج قصصه من الصناديق القديمة النفيسة ليمجد ادبا وطنيا قدم فيه حيوية الاطفال امام فظاظة المدعين وكما كتب (مارك فورمارولي) بكل اناقة ان الهدف الاول لهذه الحكايا هو التربية والاتهذيب مقابل تفاهات الكتاب الحديثين ومن الطبيعي انها ستصل الى أفخم الصالونات كما تتناقلها سهرات الفلاحين.
إن شفوية قصص بيرو هي ارث من أدب الحذلقة الذي كان ينافس البلاغة في طريقة سرد القصص, كما ان البساطة الظاهرة في عالم العجائب وضعت منطقيا هذه القصص المصنوعة من الاحرف المحكية في الدائرة الجمالية الانثوية ولم يستطع الحكواتيون الذين نهلوا من مدرسة بيرو في القرن التاسع عشر تغيير اي شيء وعلى هذا الاساس استطاع الادباء امثال ألفونسو دودي وانا تول فرانس ان يتخيلوا حكاية الاميرة الحالمة ليتمكن عالم الجن والعجائب وعلى الطريقة الفرنسية ان ينتصر على اي قياس للمنطق, فالجنية تحول حبة اليقطين الى عربة فاخرة ويستطيع الهر المحتال ان يتحاور مع الملك وتنام أميرة مئة عام ويتنكر ذئب بهيئة الجدة دون ان يطرح القارئ اي تساؤل.