من قبل الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها في مطلع القرن الحادي والعشرين, لاتعوزه الفطنة ليكتشف التشابه في الأساليب والأهداف. والنتائج أيضاً. ويتبين لنا ذلك من خلال استعراض هذه الأساليب وانكشاف الأهداف والتبشير بقرب هزيمة واندحار العدوان, والتي برزت من خلال المعطيات التالية:
1- نشر القائد البريطاني الجنرال( مود) منشوراً عندما دخل بغداد ذكر فيه(أن الجيوش البريطانية دخلت بغداد كمحررة, وليست جيوش احتلال, كما أنها جاءت لحماية الشعب من الظلم والغزو, وهي ستضمن حرية التجارة لن تفرض على السكان أنظمة أجنبية), ومن يقارن ذلك مع مافعله القائد العسكري الأميركي( بريمر) والقادة الأميركيون اليوم, يجد أن التاريخ يعيد نفسه!
2- وخلال فترة الحرب حكم الإنكليز العراق حكماً مباشراً عن طريق الإدارة العسكرية يحيط بها مجموعة من الخبراء المدنيين العسكريين المختصين في الشؤون العراقية. وكانت الإدارة العسكرية عبئاً ثقيلاً على الشعب العراقي. واليوم يحكم الأميركيون الشعب العراقي عن طريق الحكم المباشر العسكري مستظلين ( بحكم انتقالي عراقي) ماهو إلا الستار الذي تمارس من خلاله الإمبريالية الأميركية هيمنتها واحتلالها على الشعب العراقي.
3- قيام الانكليز بالإغداق على بعض المتعاونين بالهدايا والعمل على استمالتهم لمؤازرتهم بأن خلقت نوعاً من الحكم الذاتي في مناطق كثيرة وهذا مافعلته الولايات المتحدة الأميركية اليوم في العراق.
4- عمل الانكليز على تقسيم العراق إلى دول منفصلة عن بعضها, وعزفوا على وتر الطائفية الذي يلقى آذاناً صاغية من بعض النفوس الضعيفة. وهذا ماتحاول تطبيقه الإدارة الأميركية الحالية بإذكاء نار الفتنة المذهبية والعرقية معتمدة على بعض ممن استقدمتهم من أوكارها في واشنطن وغيرها.
5- المقاومة منذ اليوم الأول للاحتلالين:
منذ بداية الاحتلال البريطاني, انتفض شعبنا العربي في العراق لمقارعة المحتلين الغزاة, وبدأت الثورة في الرمثية ثم انتقلت بصورة عفوية من حركة عشائرية إلى ثورة حقيقية جماهيرية عمت الفرات الأوسط ثم إلى مختلف أنحاء العراق, وقدم الشعب العراقي نحو ثمانية آلاف شهيد في هذه الثورة.
والواقع أن الثورة كادت تنجح لو لم تدخل بعضدها الخلافات الداخلية, كماكانت معزولة عن الحركات التحريرية في البلدان الأخرى, واستمر النضال إلى عام 1958م, حيث تم القضاء على النظام الملكي ودخل العراق في عهد جديد. وانتهى فيه تسلط الإمبريالية البريطانية وفشل احتلالها فشلاً ذريعاً, واليوم تحاول الإمبريالية الأميركية أن تعيدالدور نفسه في العراق معتمدة على مجموعات من العملاء, الذين يؤمنون بتفتيت العراق عن طريق إثارة النعرات الطائفية والعرقية مثلما تم في الاتحاد اليوغسلافي وغيره من الدول. لكن الشعب العراقي العريق كما أفشل الاحتلال البريطاني سيقاوم الآن لإفشال المخطط الأميركي ولن يكون العراق إلا عربياً موحداً.
لقد وقع قادة الإمبراطورية المتوحشة في ورطة كبيرة أدخلت أميركا اليوم في مأزق خطير في العراق, لأن الاستراتيجية الأميركية, الحالية تقف ضد اتجاه التاريخ, وضد التوجه الإنساني, وهي تسير نحو خلق عالم أكثر انقساماً وعداءً وفوضى. وهذا ليس في صالحها وبالتالي الاستراتيجية ستفشل وستؤول إلى ما سبقها من استراتيجيات امبراطورية مهيمنة, خاصة إذا علمنا أن هناك ثقوباً كثيرة في جسد الإمبراطورية الأميركية.
لقد استطاع نائب الرئيس الأميركي( ديك تشيني) وشلته أن يدفع الإدارة الأميركية إلى شن حرب هوجاء على العراق, تحقيقاً لأطماع الصهيونية في الكيان العنصري الصهيوني, واستجابة لأطماع شركات النفط الأميركية وتجار السلاح التي يملك( تشيني) إحدى هذه الشركات النفطية, وغزا الرئيس الأميركي(بوش الصغير) العراق بالذريعة نفسها التي غزا بموجبها هتلر بولندا في العام 1939م وأثبتت الأيام كذب ادعاءات الإدارة الأميركية, وسقطت كل الذرائع, واليوم وهنت الغطرسة التي أطلقها نائب الرئيس ديك تشيني, حين أكد أن الاحتلال العسكري للعراق سيكون ( رقصة زنجية) وكان وقتها يظن أن الشعب العراقي سيرحب به ويستقبله بالورود ولكن خابت ظنون نائب الرئيس, فالحرب على العراق كلفت وستكلف الولايات المتحدة مادياً وجسدياً أموالاً ورجالاً سيلقون حتفهم على أرض العراق, لأن شعب العراق أسس حضارة عريقة. وهم مصممون أن يلقوا( بصقور الدجاج) في ( النهرين)ولقد دخل الأميركيون النفق والذي يذكرهم بفيتنام, وإذا كان المحافظون الجدد, المتوحشون, يرون في احتلال العراق بداية المرحلة الجديدة لمشروعهم (الشرق أوسطي) الذي يستهدف عملياً كل الوطن العربي, ودوله الوطنية والقومية, والمشروع القومي العربي, خدمة لأسيادهم, الصهاينة والماسونية العالمية, فإنها أيضاً, بداية انهيار الامبراطورية الأميركية المتوحشة على أي حال, وكما يقول: الكاتب الأميركي هنري آدامز: إن تأثيرات السلطة على الرجال تكمن في تضخيم الذات وهذا أشبه بالورم السرطاني الذي ينتهي بقتل صاحبه وكذلك هي الإمبراطوريات, فالشعور بالعظمة والاستهتار بالآخرين يؤدي إلى الموت والاندثار, ولنا في تاريخ الشعوب والحضارات عبرة, وهذاما بدأ يشعر به العالم عامة والمفكرون والكتاب الأميركيون الذين لم يخترقوا من قبل( الساحر الصهيوني).
*عضو اتحاد الكتاب العرب