والعيون منشدة نحو الرياض يراقب مجتمعنا العربي أشكال السياسة الأميركية, والصهيونية إقليمياً, ودولياً ولاسيما من جهة حقوق العرب التاريخية في أرض فلسطين, والجولان, والجنوب اللبناني التي لاتزال اسرائيل تغتصبها ولا تولي نظراً لقرارات الشرعية الدولية فيها, أو لاحترام أي مبادرة تسعى لحل المعضلة الشرق أوسطية كما يصطلحون على تسميتها في الأدبيات الدبلوماسية المعروفة.
ولم يك الاعتراض الاسرائيلي على المبادرة العربية للسلام صادراً من موقف داخلي اسرائيلي راغب بالوصول إلى السلام بل كان هذا الاعتراض محاولة لنسف المبادرة العربية في أهم أسسها: العودة إلى حدود الرابع من حزيران ,1967 وإقرار عودة اللاجئين الفلسطينيين وفقاً لقرار الأمم المتحدة 194 ذي الصلة. وكذلك لم يعد من الغريب أن تتجاهل مسؤولة في الوزارة الإسرائيلية (وزيرة الخارجية ليفني) المبادرة السلمية, وتدعو الأطراف العربية إلى تطبيع العلاقات مع اسرائيل على خط مواجهة الإرهاب, والتعصب الديني والتطرف.
وتعيد اسرائىل الحكاية من جديد بأن المسألة في الصراع العربي ضد الصهيونية ليست أرضاً عربية احتلت, وحقاً عربياً اغتصب بمقدار ما الخطوة التي يمثلها الإرهاب في المنطقة على الدول المعنية فيها. وبهذه الحالة تريد اسرائيل أن تذر التراب في عيون المجتمع العربي والدولي على حد سواء تهرباً من استحقاقات السلام القائم على العدل, أي أن تعطي اسرائىل العرب الأرض التي تم اغتصابها بالقوة, وبدعم القوى الامبراطورية العظمى, وعلى رأسها أميركا, وبعد ذلك ينشأ وضع في المنطقة يعم فيه السلام, والاستقرار للجميع, ودون عودة الحقوق المغتصبة, وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة لا يمكن أن تعتبر المسألة في الصراع العربي ضد الصهيونية قد وضعت على أي خارطة للحل.
وهذا الأساس الطبيعي للحل لا تنفك اسرائىل تتجاهله, وتقفز فوقه مستندة إلى داعم أميركي يقبل منها كل إرادة معطلة للسلام العادل والشامل, كما أنها تستند أيضاً إلى اعتدال في الحماس العربي لدى مؤسستي النظام العربي : الجامعة العربية ومؤتمر القمة العربية.
وعليه فقد رأينا أن كونداليسا رايس أصبحت تقوم بعملية فرز بين العرب لايمكن أن يقبلها العرب أنفسهم بأنه هنالك عرب متطرفون, وعرب معتدلون. إذ سيحسب المتطرفون على منطق التمسك بالثوابت العربية, والحقوق التاريخية, وسيادة الأمة على أراضيها وتمسكها بهويتها وخصوصيتها. وسوف يكون الاعتدال تجلياً ما من تجليات التنازل عن الحقوق, والتفريط بالسيادة, وعدم التمسك بالهوية, والشخصية التاريخية, والثقافية للأمة العربية فهل يقبل من سيكون في معسكر الاعتدال هذا المحتوى لاعتداله?
نجيب بالنيابة بأن لا أحد من النظام الرسمي العربي يعجبه أن يكون الاعتدال بهذه الحيثيات, ولايسمح له تاريخه العروبي بأن ينظّم إلى عروبة التفريط بالحقوق كون العروبة ذاتها تنتفي لديه إذا ما اقترب من مثل هذه الحيثيات المنوه عنها. وفي التاريخ العربي الحديث والمعاصر من حاول مقاربة هذه الحيثيات بذريعة الواقعية السياسية, ومراعاة التحالف الدولي القائم, وافتراض أوراق الحل أنها بيد أميركا وحسب, وأن القضايا الإقليمية المستعصية على الحلول العادلة مفاتيح حلولها بأيدي أميركا, وليس أمام من ينشد أي حل سوى أن يضع أوراقه في السلة الأميركية وينتظر الحلول القادمة. وحصل مع من قارب هذه المقاربات ما حصل من الخذلان, والتنصل الأمروصهيوني من كل ما اتفق عليه ليترك الطرف العربي المعني محرجاً أمام أمته, ومجتمعها وكأن القضية بالنسبة لإسرائيل أولاً, وآخراً هي خلق آلية سياسية عند القادة العرب للتعامل معها, وتطبيع العلاقات دون أن يكون الأساس لهذه العلاقات مرتبطاً بعودة الحقوق المغتصبة.
ثم لينتهي الحال إلى تجاهل هذه الحقوق دخولاً في مصالح اقتصادية مشتركة. ثم إلى الإقرار لاحقاً بعدم جدوى الإضرار بهذه المصالح الاقتصادية إذا كان بقي عند أحد من العرب إصرار على استعادة الحقوق المغتصبة. وهكذا تكون اسرائيل قد استحوذت على الأرض, والأمن والسلام وتطبيع علاقاتها مع المحيط العربي وفرض نفسها دولة أولى بالرعاية لديه دون أن تكون قد أعادت شيئاً من الحقوق التاريخية للعرب في الأرض, والسيادة , والهوية.
ومن هذا المنظور نفهم الطريقة الصهيونية المتغطرسة, ونفهم تصريحات أولمرت, وليفني, ونرى إلى الموقف الأميركي الذي آن الأوان له بأن يدعو اسرائىل إلى احترام إرادة المجتمع الدولي. والعودة إلى قراراته ذات الصلة بالحل السلمي العادل والشامل. ونرى إلى الاتحاد الأوروبي بأن يقول للغطرسة الإسرائيلية لم تعد لديك ياإسرائىل فرصة دولية مقنعة باعتبارك الوحيدة التي تعرقلين الحلول العادلة . ومع ذلك نجد حالاً لافتاً. حيث لم تنته زيارة السيد سولانا إلى دمشق, وفي تصريحاته أنه مع المبادرة العربية لحل قضية الصراع العربي ضد الصهيونية, معتبراً إياها جزءاً من الحل الشامل في المنطقة, وحق سورية في استعادة الجولان حتى قامت قيامة اسرائىل عليه, وسارع عضو الكنيست عن حزب العمل أوفير بينيس إلى تقديم اقتراح عاجل للكنيست تعقد على أساسه جلسة لمناقشة أقوال سولانا. وأعاد بينيس اسطوانة ليفني بأنه قبل أن يعد الأوروبيون بإعطاء هضبة الجولان إلى سورية عليهم أن يطالبوا السوريين بقطع علاقاتهم مع الإرهاب والجهات الإرهابية في إيران, ولبنان, والتوقف عن منح مأوى للإرهابيين مثل خالد مشعل.
إن اسرائيل - حتى اليوم - لم تقدم دليلاً واحداً على أي نية لديها للسلام العادل. وكل ما فعلته هو تهيئة بيئة الاستسلام عند العرب. وقد كانت ثمة مواقف لدى أميركا تشير إلى البعض العربي بقدرة هذه الأخيرة على الضغط على اسرائيل وجعلها تحترم الإرادة الدولية في السلام العادل والشامل لكن ما انجلى من مواقف أميركية بخصوص اسرائيل لم يعد يشجع أحداً على هذه القدرة, والاعتقاد فيها ومن يريد أن يواصل وهمه السياسي فهو حر بما يواصل لكن الإشارة الدائمة لكل متابع عربي ومحلل سياسي تعطي بأن أميركا لا تريد الضغط لقوة اللوبي الصهيوني فيها, واسرائىل لا تريد إعادة الحقوق المغتصبة طالما هي قادرة على استبقاء أميركا إلى جانبها في هذا الخصوص. فاذا كان ذلك كذلك فمن أين ستبقى المشروعية في الاعتقاد العربي بجدوى وضع الحل بالسلة الأميركية?!!
وبناء عليه فإن الموقف العربي في القمة العربية من الممكن أن يحسم الأمر في الموضوعات التالية, ويتخذ على أساسها القرارات المناسبة,
أولاً: المسألة ليست الإرهاب المزمع بمقدار ما هو احتلالها لأراضي العرب ووجوب إنهائه.
ثانياً: لا يجوز تحت ذريعة الإرهاب أن نتنازل عن حقوقنا في النضال الوطني التحرري المشروع.
ثالثاً: إن فرز العرب إلى معسكرين: التطرف, والاعتدال مرفوض والحقوق والسيادة, والهوية من اهتمام الجميع.
رابعاً: لم يعد مقبولاً في العقل السياسي أن يعود العرب إلى مربع الثقة بإسرائيل, ولايتخلصوا من هذا الوهم السياسي في أعلى مؤسسة للعمل العربي المشترك, ها هي اسرائيل تظهر غطرستها قبل انعقاد القمة العربية.
خامساً: الخطر الحقيقي هو الاحتلال الاسرائيلي والمشروع الأمروصهيوني في المنطقة وليس إيران وكل ما تدعي اسرائىل من تعصب وإرهاب حيث إن احتلالها للأرض, ومصادرة المستقبل العربي هو ذروة الإرهاب الدولي المنظم.
سادساً: لم تعد القوة حكراً على اسرائيل فالقوة العربية مجتمعة أكبر مما تملكه اسرائيل وها هي حربها العدوانية على لبنان في صيف العام المنصرم قد فشلت, وبالاعتبارات العسكرية أمام حزب الله ومن يسانده. وهذا يعني أن العرب من المفروض أن يتخطوا في قراراتهم خلفية الإقرار بالتفوق السوبرماني الإسرائيلي ويجبروا اسرائيل على احترام الإرادة العربية في السلام العادل والشامل.
سابعاً: في العراق, وفي لبنان لم تعد التدخلات الأمروصهيونية خفية على أحد, وبذلك من اللازم أن يتم إسقاط الحجة بأن دولاً عربية, وإقليمية لها مصالح في بقاء الحال على ما هو عليه فيهما. ومن المنطقي أن يتجه القرار العربي نحو تحميل أميركا واسرائيل تبعة ما يحدث, وأن يكون القادة العرب متوافقين على هذا القرار. ثامناً: إن الخطر الحقيقي على الحضارة العالمية, والاندماج الحضاري العالمي (ولو في ظل العولمة) ليس قادماً من الإسلام ومن الأصولية الإسلامية بمقدار ما هو من آلية العلاقات الكيدية الدولية الموجهة ضد الاسلام من أجل رفعه إلى عدو دولي يغطي غطرسة الصهيونية, ويوفر الغطاء للحروب الاستباقية الأميركية. والقادة العرب هم الذين يسقطون هذه الأحابيل, ويحررون الإسلام والمسلمين من ما يوضع عليهم, ويتحملون وزره ظلماً وعدواناً.. هذه هي بعض الاهتمامات التي يشعر المواطن العربي بأنها من الجدير أن تحرك اهتمامات القادمين إلى الاجتماع في الرياض, ويحلم كل مواطن عربي بأن يكون لدى الجميع اليقظة الكاملة, والمحبة الكاملة.
Fayez@scs-net.org