والوجبة الدسمة لكل نشرات الأخبار والبرامج التحليلية السياسية للقنوات الفضائية، والغريب أن أي تفجير يقع في العالم تتوجه أصابع الاتهام فوراً إلى القاعدة، لا بل إن شبكة الانترنت أصبحت المكان الأهم لإصدار البيانات التي تتبنى أي هجوم انتحاري أو تفجير أو عمليات خطف باسم القاعدة وبات كل من هب ودب يصرح باسمها فما حقيقة ذلك، وماالقاعدة؟ ومن أسسها؟ ومن يقف وراءها؟ وما حقيقة انتشارها العالمي الواسع؟ هل حقاً هي من صنع الدوائر الأمنية الأميركية ثم انقلبت عليها وكان هذا هو سوء التقدير لدى تلك الأجهزة الاستخباراتية؟!!
صحيح أن القاعدة وزعيمها أسامة بن لادن يثيران مشاعر الرهبة إلا أن الولايات المتحدة ليست بعيدة عن هذا التنظيم برأي العديد من المطلعين فهي تعرف الكثير عنه بل وصنعته، كما أكد وزير الخارجية البريطاني الأسبق روبن كوك عندما قال: إن تنظيم القاعدة وأنصار بن لادن نتاج سوء هائل من التقدير من جانب الأجهزة الأمنية الغربية مضيفاً «القاعدة» والتي تعني حرفياً «قاعدة البيانات» كان في الأصل ملفاً كمبيوترياً من آلاف المقاتلين الذين تم تجنيدهم وتدريبهم بمساعدة وكالة المخابرات المركزية الأميركية.
وقد عاش زعيم القاعدة أسامة بن لادن في أفغانستان وعرفها واستقر فيها بعد اقصائه من السودان عام 1996 ويؤكد الباحثون أن السياسة الأفغانية جرفته ولم يعد مقيماً في هذا البلد فقط بل أضحى جزءاً من معضلتها.
وقد قاتل أتباع أسامة بن لادن في تنظيم القاعدة إلى جانب طالبان في المعارك الحاسمة كما تؤكد المصادر المختلفة وقد اختار أشخاص مثل أيمن الظواهري وأبو حفص المصري الانضواء تحت إمرة أسامة بن لادن. وقد توالت التفجيرات في أنحاء مختلفة من العالم وأتى تفجير السفارتين الأميركيتين في العاصمة الكينية نيروبي والعاصمة التنزانية دار السلام ليوسع من نطاق العمليات المنسوبة لهذا التنظيم وأتى شريط الفيديو الذي أرسلته مؤسسة سحاب إلى قناة الجزيرة عقب هجمات 11 أيلول 2001 في الولايات المتحدة ليؤكد مسؤولية أفراد من تنظيم القاعدة في تفجيرات الحادي عشر من أيلول.
ومنذ ذلك الوقت أي منذ اعتداءات 11 أيلول والحرب التي شنتها الولايات المتحدة ضد أفغانستان تترافق مع الضجة الاعلامية الكبيرة لما أسمته الولايات المتحدة الحرب على الإرهاب وضد القاعدة وزعيمها أسامة بن لادن والتي رصدت جوائز كبيرة للقبض عليه وعلى أعوانه.
انتشارها العالمي.. حقيقة أم وهم؟
شرطة لندن: ليست منظمة بل طريقة للعمل
يعتقد الكثيرون أن تنظيم القاعدة تأسس في الفترة بين آب 1988 وأواخر 1989 ويعمل بوصفه شبكة تضم ذراعاً متعدد الجنسيات وحركة تدعو إلى القتال وقد هاجمت القاعدة أهدافاً عسكرية ومدنية في دول عديدة كان أبرزها اعتداءات 11 أيلول عام 2001 في الولايات المتحدة كما تدعي الولايات المتحدة الأميركية.
أما إدارياً فتوصف بأنها تقوم على مركزية في القرار واللامركزية في التنفيذ.
وبعد الحرب التي شنتها أميركا في عهد الرئيس السابق جورج بوش فإن قيادة هذا التنظيم أصبحت معزولة جغرافياً ما أدى لظهور قيادة مركزية للمجموعات الاقليمية يستخدمون الاسم التجاري، للقاعدة.
وقد وصفها مجلس الأمن الدولي والعديد من الدول والهيئات بأنها منظمة ارهابية أما زعيمها بن لادن فوصفها في مقابلة مسجلة على شريط فيديو في تشرين الأول 2001 قائلاً: «أنشىء اسم القاعدة منذ فترة طويلة بمحض الصدفة.. فأبو عبيدة البنشيري أنشأ معسكرات تدريب.. كنا نسميه معسكر تدريب لتنظيم القاعدة.. وبقي هذا الاسم».
ويؤكد المؤلف لورانس رايت في كتابه «البرج المقترب» أن القاعدة شكلت في 11 آب عام 1988 في اجتماع ضم «سيد إمام شريف، أيمن الظواهري، وغيرهم من مصر وعبد الله عزام وهو فلسطيني، وأسامة بن لادن»، حيث تم الاتفاق على انضمام أموال بن لادن إلى خبرة الآخرين لمواصلة القتال. وقد دفعت الولايات المتحدة أموالاً لمساعدة المقاتلين ضد السوفييت في أفغانستان في برنامج لوكالة المخابرات المركزية الأميركية سمي بعملية الاعصار.
وقد انضم عدد من المقاتلين العرب الذين كانوا يسمون أيضاً «الأفغان العرب» إلى القتال ضد حكومة كابول في فترة التواجد السوفييتي في أفغانستان، علماً أن عبد الله عزام أنشأ مع بن لادن مكتب الخدمات في بيشاور عام 1984 أما في عام 1986 فتم اقامة شبكة من مكاتب التوظيف في الولايات المتحدة، ومن أبرز الشخصيات في مركز بروكلين للاجئين الأفغان العميل المزدوج علي محمد وهو رقيب سابق في القوات الخاصة في نورث براغ، نورث كارولينا، وترك الخدمة العسكرية وانتقل إلى سانتا كلارا، كاليفورنيا وسافر إلى أفغانستان وباكستان وشارك في خطط بن لادن وقد أطلق عليه جاك كلونار عميل مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي اسم «المدرب الأول لأسامة بن لادن».
يذكر أن عبد الله عزام أقنع بن لادن بالانضمام إلى مكتب الخدمات في بيشاور واستخدام ماله الخاص وعلاقاته الواسعة..
في عام 1989 انسحبت القوات السوفييتية من أفغانستان وأعقب ذلك مرحلة من الفوضى لم تتفق خلالها الأطراف المختلفة التي قاتلت الوحدات العسكرية السوفييتية على هيكل الحكم، واستمرت في التقاتل من أجل السيطرة على أراضي أفغانستان، ما أحال البلاد إلى حالة من الدمار والخراب وقد تشكلت عدة منظمات متشابكة وكانت واحدة من هذه المنظمات التي تشكلت ستكون فيما بعد تنظيم القاعدة التي شكلها بن لادن في اجتماع أولي عقد في 11 آب عام 1988 وطلب بن لادن انشاء عمليات غير عسكرية في مناطق أخرى من العالم، أما عبد الله عزام فأراد الاستمرار في التركيز على العمليات العسكرية وبعد اغتيال عزام عام 1989 انقسم مكتب الخدمات وانضم عدد كبير من المجندين إلى تنظيم بن لادن وفي تشرين الثاني سافر علي محمد الرقيب السابق في القوات الخاصة الأميركية إلى أفغانستان وباكستان وشارك في خطط بن لادن. يذكر أنه في 8 تشرين الثاني عام 1990 داهم مكتب التحقيقات الفيدرالية الأميركية منزل شخص باسم نصير شريك علي محمد في نيوجرسي واكتشف الكثير من الأدلة على المخططات المعدة منها، خطط لتفجير ناطحات سحاب في مدينة نيويورك وأدين نصير في عام 1993 بتفجير مركز التجارة العالمي، أما علي محمد فقد ساعد في تنسيق نقل أسامة بن لادن إلى السودان عام 1991 ورحل بعد طرد جماعته من قبل الحكومة السودانية إلى أفغانستان من جديد. التي كانت تعاني من الفوضى بعد انسحاب الاتحاد السوفييتي وبقيت لا تخضع لأي سلطة مدة سبع سنوات، حيث عانت البلاد كما ذكرنا من القتال المستمر بين الحلفاء السابقين وبعد قيام حركة طالبان واحتلالها كابول في أيلول 1996 وفرت للقاعدة ولأسامة بن لادن ملاذاً آمناً لهم في أفغانستان حيث بدأت بتدريب عناصرها في معسكرات خاصة في أفغانستان وفي مناطق الحدود الباكستانية ويعتقد الكثيرون أن أسامة بن لادن وغيره من أعضاء التنظيم لا يزالون موجودين في مناطق متعاطفة مع طالبان في أفغانستان وفي المناطق القبلية على الحدود الباكستانية.
وفي تقرير لجنة 11/9 الأميركية تم تقدير أن القاعدة تحتاج إلى مبلغ 30 مليون دولار سنوياً لإجراء عملياتها، كما أن عدد الأفراد الذين ينتمون لهذا التنظيم غير معروف أيضاً ووفقاً لفيلم ال بي بي سي الوثائقي (قوة الكوابيس) فإن تنظيم القاعدة على صلة ضعيفة ببعضه البعض لذلك من الصعب القول إنه موجود بعيداً عن أسامة بن لادن ومجموعة صغيرة من المقربين، كما أن عدم وجود أعداد كبيرة من المدانين من أعضاء القاعدة على الرغم من حالات الاعتقال الكثيرة بتهم تتعلق بالإرهاب، والفيلم الوثائقي يستشهد به كسبب يدعو إلى الشك فيما إذا كان الانتشار الواسع لهذا التنظيم حقيقياً أم لا. وبالتالي فإنه حسب فيلم ال بي بي سي فإن طبيعة القاعدة لاتزال موضع خلاف، كما أن وصف عناصرها قد تغير، فبعد أن وصفوا بأن معظمهم من العرب في السنوات الأولى من عملها أصبحوا يوصفون بأن أغلبيتهم من الباكستانيين إلى حد كبير اعتباراً من عام 2007، يقول مفوض شرطة لندن أيان بلير لدى سؤاله عن احتمال ضلوع القاعدة في تفجيرات لندن عام 2005 تؤكد معلوماتنا أن القاعدة ليست منظمة، القاعدة هي طريقة للعمل ولكن هذه هي السمة المميزة لهذا الأسلوب. من الواضح أن القاعدة لديها القدرة على توفير التدريب.. توفير الخبرة.. وأعتقد أن هذا ما حدث هنا.
أما صحيفة الاندبندنت البريطانية ونقلاً عن تحقيقات الشرطة والمخابرات العسكرية، فتؤكد أن الانتحاريين في تفجيرات 7 تموز عام 2005 تصرفوا بشكل مستقل عن رأس القاعدة المدبر الذي كان في مكان ما في الخارج.
ما القاعدة بالضبط؟ لا تزال محل خلاف، ففي فيلم ال بي بي سي الوثائقي الآنف الذكر يؤكد الكاتب والصحفي آدم كورتيس أن اسم القاعدة عرض لأول مرة على الجمهور عام 2001، ... اسم المنظمة وتفاصيل هيكلها قدمها جمال فضل في شهادته الذي زعم أنه عضو مؤسس فيها وهو موظف سابق لدى أسامة بن لادن.