وبما أنك الآن في غيابك الجسدي محروم من رؤية الفضائيات، ومتابعة وكالات الأنباء، أخبرك أن ربطات العنق في هذه الأيام باتت تسيطر على الفضائيات، حيث التحليل السياسي والاقتصادي والاجتماعي والنفسي مستمر في الليل والنهار، فعن المراهقة هناك أكثر من عشرة برامج محلية وعن الطبخ هناك فقرات يومية مستمرة، وتكاد تسميها فقرات أبدية، حتى أنني شخصياً تابعت تقريراً تلفزيونياً، «لا يشبه تقريرك السينمائي» عن القمر، والمذيعة تسـأل الناس عن رأيهم بالقمر؟ ومن هول المفاجأة فركت عيني وقلت يا رب. وكيف سنتغير؟ أمام كل هذه الركاكة؟
نعم يا صاحب السعال الأبدي، ولو انتبهت لك موسوعة غينيس لصنفتك كأفضل عاشق للتدخين في العالم، أكتب لك بعد أن وصلت الأوضاع العربية والمحلية والعالمية وعلى كل المستويات إلى مرحلة غير مسبوقة في الرداءة والضياع، وكان يكفي أن تكون على قيد الحياة لتكتب نسخة جديدة من «سأخون وطني» وتبعتها بفيلم آخر عن الحدود.
ربما وأنت تقرأ كلامي هذا ستردّ بنزقك المعروف قائلاً: وما الجديد فيما تخبرني؟ أصلاً هذه النتائج من تلك المقدمات، وهذه الرداءة والكوارث مهّدت لها عشرات السنوات من البؤس السياسي والاقتصادي والثقافي العربي والعالمي.
وبدوري أخبرك أن تمسّك بموتك أيها الشاعر، فالآن ضاعت الطاسة أكثر، فعلى الصعيد الاقتصادي بات الفقراء ينتظرون دورهم في الموت وسلال الإغاثة، ضجرون من هذا الزحام في كل شيء، والطرقات التي كنت تمشي عليها مشغولة بتصدير آخر روايات التعب والشقاء إلى العالم أجمع. والصحف المحلية تم اختصار صفحاتها، حيث العالم الافتراضي والالكتروني هو السبّاق..
أما الشعب، يا صديق الشعب فبات الآن، أو ما بقي منه، مشغول بإحداث صفحته الخاصة على الفيسبوك وتأمين حساب على الفايبروالواتس آب، وحدث ولا حرج عن الأخبار والأحداث؟ وكلها من عندنا.
ويا أيها الشاعر احمد الله عز وجل أنه أراحك من رؤية أوضاعنا الراهن، لاسيما على صعيد أسعار الدخان، والمواد التموينية الأخرى، فكيف إذا حدثتك عن أسعار العقارات وأخبار الشوارع السياسية والفقهية والدينية والنقدية، حيث صار عندنا لكل مواطن ناقد ناقم على ما أنتجته البشرية من أدب وفكر وسينما وشعر!
وإذا سألتني الآن عن حال قرائك، أقول أن معظمهم يقرؤون ما اقتطعته صفحات الفيس التي تحمل اسمك.
بالتأكيد ستسألني عن حال وأحوال ابنتيك شام وسلاف؟ وأنا شخصياً أعرف أنهما بخير ولكن لا تفاصيل أكثر لديّ، أما بيتك في السلمية فالمؤكد أنه حتى اللحظة لم يتحول إلى متحف كما هي رغبتي ورغبة الآلاف، أما الحديقة التي حملت اسمك في سلمية فهي الأخرى بائسة الشكل والمنظر، والسبب بالتأكيد لا يعود لوزارة الثقافة ولا لوزارة الإدارة المحلية، ربما السبب الحق على وزارة الري أو الزراعة.
عزيزي الشاعر محمد الماغوط.. تريث قليلاً ولا تضجر بعد الآن فالزمن الذي عشت به كان ذهبياً بالقياس إلى هذا الزمن التنكي الذي نعيشه. وأرجوك لا تطلب مني إحضار ورق ابيض وأقلام جديدة لك، فراتبي لا يكفي ثمناً لدفع فواتير الكهرباء والماء وأنصحك بتعلم الكتابة على الكمبيوتر.
انعم بموتك الفيزيولوجي، وانعم بمجدك الإبداعي، أيها الكبير كدمعة والعظيم كضحكة طفل.