كان آخرها ربما ما أقيم بالجمعية العمومية للأمم المتحدة التي انتخبت لجانها الست الدائمة وسط حالة غير مسبوقة في التاريخ لجهة الاستهانة بالقانون والمبدأ والهدف؟!
عندما لا ينجح العالم ونظامه بوضع اليد على الحقائق التي لا تخفيها الولايات المتحدة والتي لا تخجل منها، وعندما يخفق النظام العالمي بتغليب لغة الحق والواقع بمواجهة لغات الدجل الغربية غير المسؤولة، ربما يكون من الطبيعي أن تصل إسرائيل ككيان محتل لرئاسة إحدى أهم اللجان الدائمة «القانونية» بالأمم المتحدة.
وعندما يؤيد 109 من أصل 193 عضواً في المنظمة الدولية تولي الكيان الإسرائيلي رئاسة اللجنة القانونية في الأمم المتحدة، فلهذا دلالته المؤكدة من أن أميركا تهيمن، ومن أن العهر السياسي بات نهجاً لا يستحيي كثيرون من الإعلان عن اعتماده مبدأً، إذ كيف يصل صاحب أعظم سجل في انتهاك القانون الدولي لرئاسة اللجنة القانونية الدولية لو لم تنجح أميركا بفرض هيمنتها على العالم؟
عندما تلتحق الأكثرية في الأمم المتحدة بأميركا هكذا «دوكما وعلى عماها»، يكون ربما من الطبيعي أيضاً التحاق الأكثرية ذاتها بأميركا التي تصنع الإرهاب والتطرف لتحقق به رزمة أهداف ومجموعة غايات، ثم لتحاربه على طريقتها وبشروطها فتضم لتحالفها المزعوم انتقائياً من تشاء وتتعاون انتقائياً مع من تشاء، لتكتمل اللعبة إياها التي من متناقضاتها والحيثيات التي تنتجها تضمن استمرارها، والاستمرار بحد ذاته هدف أميركي.
بالشراكة مع الغرب تحاول واشنطن اليوم أن توحي بأن ثمة خلافات واختلافات بينهما في الرؤى بشأن محاربة الإرهاب وحول سبل حل الأزمات القائمة في المنطقة والعالم، وتحاول واشنطن والغرب تظهير خلافاتهما هذه في الإعلام بهدف التأثير في الآخر، وبغرض الاستثمار بالفعل ورد الفعل المتوقع من الطرف الآخر، والواقعي الذي يمكن تلمسه وقياسه للتعامل معه بالمقتضى شيطان بعدة قرون واشنطن، والغرب جوقة شياطين جاهزة كل حين لكل أدوار الزعيق والنهيق وحتى للشهادة مع إسرائيل ولأجلها ألف مرة.
إذا كانت الأمور واضحة مكشوفة لهذه الحدود، فأين تكمن المشكلة، بالقيود التي تضعها أميركا بأيدي الكثيرين؟ أم بالقيود التي لا يريد كثيرون التحرر منها، بل يرفضون فك وثاقها والتحرر منها؟
دول عربية، وكي لا تقع بالحرج، طلبت الاقتراع السري على ترشيح اسرائيل لرئاسة اللجنة القانونية بالأمم المتحدة، ورغم إعلان الشراكة الكاملة معها ككيان عبري، إلا أنها ذهبت للاقتراع السري، لماذا؟ ربما لأنها تدمن حكايات السر والعلن، ودبلوماسية أن تظهر خلاف ما تبطن، والعكس صحيح، وبعد، فشيطان الوهابية أخطر من أميركا وشيطانها الصهيوني، وشياطين الخليج أكثر خطورة من الغرب وشياطينه.