تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


إيديولوجية النواعم تفسير العالم أم تغييره ؟

كتب
الاربعاء 14-4-2010م
*يمن سليمان عباس

كيف بدأ الإنسان ينظم أفكاره ويرتبها ويجعلها هدفاً وغاية يسعى من أجل تحقيقها؟ أسئلة يطرحها المرء على نفسه وإذا وجد إجابة شافية فإنه ينتقل إلى الشق الثاني من السؤال: كيف حول الأفكار إلى إيديولوجية وماذا عن تاريخ الإيديولوجيات التي رسمت خطاها حتى الآن وتبناها المؤد لجون كل حسب ما يتفق وأفكاره.

كتاب الإيديولوجيات السياسية الصادر- حديثا عن الهيئة العامة السورية للكتاب وهو من تأليف مجموعة من الباحثين، وترجمة عباس عباس يجيب عن الكثير من هذه الأسئلة.‏‏

الكتاب رحلة في تاريخ الإيديولوجيات وهو سرد تاريخي وتحليلي لاتبنى ايديولوجيا بحد ذاتها بل يريد أن يقدم صورة بانورامية للإيديولوجيات وهو بالوقت نفسه على غاية من الدقة والصعوبة لابد من قراءته أكثر من مرة.‏‏

فكرة الإيديولوجيا: في الفصل الأول يكتب لين ما كنزي عن الإيديولوجيا يقول: لدى التنقيب عن فكرة الإيديولوجية تتكشف لنا الطبقة الأولى التي تفيد أن الإيديولوجيات جميعا أياً كان مظهرها تنطوي على تصور لواقع اجتماعي وسياسي وكيفية تحسين هذا الواقع وهكذا فإن الإيديولوجيات تساعدنا من وجهة النظر هذه على فهم الحياة الاجتماعية المعقدة التي نعيش فيها، فهي تقوم بهذا الدور من خلال رسم صورة عن المجتمع.‏‏

أما مفهوم الإيديولوجيا حسب رأيه فيستمد جذوره العديدة من أدبيات سابقة أبرزها ما كتبه فرانسيس بيكون ففي كتابه المبادئ الجديدة (الذي نشر أولا عام 1920) تناول طريقة علمية دقيقة لفهم العالم من شأنها كما يعتقد تبديد الأوهام والتخيلات التي استولت على الفكر البشري منذ العصور القديمة لقد حاول التأكيد على أن الأوهام التي كانت سائدة في عصره ما هي إلا زخارف للطريقة المسيحية- الأرسطو طاليسية في فهم العالم القائمة على الإلهام الديني والأساطير الدنيوية الأخرى والخرافة والأحكام المسبقة التي اخترانتها التقاليد وأيدها السادة الإقطاعيون الذين بطموحهم وأساليبهم الدوغمائية سببوا الدمار الأكبر للفلسفة والعلوم.‏‏

ولقد رأى بيكون بشكل قاطع أن المعتقدات التي عززها هؤلاء كانت عميقة الجذور في أذهان البشر، مع ذلك وبحكم النزوع العلماني والحداثوي المتزايد الذي صار إليه العالم، فإن قدرة الأشكال القديمة من المعارف البشرية والسلطات المرجعية على التلاعب بأذهان الجماهير أخذه في التضاؤل، إذن فالدافع وراء كتاب بيكون يكمن في محاولة إيجاد طرائق للتأسيس المعرفي تقوم على أساس تجريبي ودنيوي وإنساني.‏‏

إن تقدم العلمنة وتنامي الخلافات مع المراجع التقليدية المعرفية والسلطوية قد بلغ أقصاه مع وصول الثورة الفرنسية الى الذروة، وفي غمرة هذه المحاولة للإطاحة بالنظام القديم وإحلال نظام حكم عقلاني جديد محله يقوم على مبادئ عامة من الحرية والمساواة والاخوة، انبثق مصطلح الإيديولوجيا، حيث ظهر أولا في كتابات انطوان ديستوت دوتراسي1754- 1836.‏‏

الذي لعب دورا رئيسيا في الثورة، فقط ليجد نفسه معتقلا مع بداية الهجوم الإرهابي 1793- 94 خلال وجوده في زنزانة بدأ يصوغ مقاربة حول الدراسة العقلانية للأفكار أطلق عليها اسم إيديولوجيا وهي مشتقة من فكرة/ علم وكما عبر عنها ايغلتون: وهكذا فإن فكرة الإيديولوجيا قد ظهرت ضمن شروط إيديولوجية بالمعنى الكلمة.‏‏

وإذا كان من الصعب أن تعرض للكتاب كاملا فإننا نشير إلى أن الكتاب يقع في 360 صفحة ويتوزع على تسعة فصول هي فكرة الإيديولوجيا/ الليبرالية/ المذهب المحافظ / الاشتراكية/ الإيديولوجيات القومية/ الفاشية/ البيئوية/ النظرية النسوية نهاية الإيديولوجيا.‏‏

ويهمنا هنا أن نقف ولو عند الخطوط العريضة للنظرية النسوية، فهو في الفصل الثامن يتحدث عن هذه النظرية ويؤرخ لها بدءاً من الصفحة 27 إلى 318 ويتناول مجموعة أفكار هامة ويهمنا هنا أن نقف عند المرأة الآخر التي تحدثت عنها سيمون دي بوفوار واستكشفتها في كتابها الجنس الثاني الصادر عام 1949 والذي جاء ليسد الفجوة الواضحة في النظرية النسوية بين الموجتين الأولى والثانية، والكتاب عمل ضخم يستمد مادته من الماركسية ونظريات التحليل النفسي وانشغال الوجودية الأساسي بقدرة الأفراد على تحقيق ذواتهم، وقد طرح العمل أيضا سؤال ما هي المرأة؟ مستبقاً بذلك ماجرى مؤخراً من اهتمام بسياسة الهوية.‏‏

على الرغم من إدراكها لتبعية النساء اقتصاديا والقيود التي تفرضها عليهن وظيفة الإنجاب البيولوجية والتنكر لمساواتهن في الحقوق المدنية والسياسية لم تكن ديبوفوار على قناعة تامة بالتفسيرات البيولوجية والبنيوية للحالة المتدنية للنساء، ولم تكن مقتنعة تماما بكفاية المشروعات الليبرالية أو الماركسية لتحقيق تحرير النساء.‏‏

بدلا من ذلك حاولت أن تثبت أن مشروع المرأة هو المرأة ذاتها، وهنا يبرز تأثير الوجودية، الفلسفة التي تؤكد على القدرة الفريدة التي يتمتع بها البشر لوعي الذات والإمكانية التي يتمتعون بها للقيام بالخيارات الواعية التي يحققون بها وجودهم.‏‏

وقد جادلت دي بوفوار بأنه ينبغي على النساء ألا يفهمن أن أخريات قد فرضت عليهن من قبل الرجال فقط.‏‏

بل هن بالذات قد تقمصن هذه الحالة.‏‏

وهذا ما يدل على جانب التحليل النفسي في أفكارها.‏‏

لقد فندت النظرية الفرويدية التي فسرت الحالة النفسية للمرأة على أساس الغيرة من القضيب- أي أن النساء يعتبرن أنفسهن ناقصات وبالتالي رجالا غير مكتملين- ورفضت بصورة قاطعة وجهة النظر القائلة إن التركيب البنبوي العضوي للنساء هو الذي حدد مصيرهن، كما أكدت أن النساء لم يقدرلهن أن يكن الآخر المذعن الذي لامعنى لوجوده إلا من خلال الرجل وعلاقتهن به، في حين الأحرى بهن أن يدركن قدرتهن الخاصة على وعي الذات ويحددن خياراتهن الخاصة ويحتفين باحتياجاتهن الخاصة أيضا.‏‏

إن هذه النظرة للنساء التي تطرح عنهن تقمص الإحساس بالدونية والتغلب على فكرة التبعية لم تكن تعني أن الفروق بين الجنسين ستختفي، وبالرغم من بقاء التمايزات البيولوجية فإن إمكانية منع الحمل والإجهاض بينت أن النساء سيتمكن من التحكم بأجسادهن بدلا من أن يكن مستعبدات لهذه الأجساد إن علم التشريح قد وفر فرصة مواتية لا قدرا صب من رخام.‏‏

*اسم الكتاب: الايديولوجيات السياسية - ترجمة: عباس عباس - الهيئة العامة السورية للكتاب.‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية