بقي مكان الألم ، وكان ساكناً في كل مكان، تحت جلدي وفوقه، في عيني وأذني، كانت حواسي أعدائي الذين يذكرونني على الدوام بهذه القصة الغبية).
اللهاث باتجاه الحب..غاية غير معلنة وغير مدركة من بطل إميلي نوتومب في (يوميات سنونوة).
المفاجئ ان الطريق إليه- إلى الحب مرة أخرى من قبل ( أوربان- البطل) يطلى بالأحمر.. بدماء من يقدم على قتلهم بعد تحوله من فاشل عاطفياً إلى قاتل مأجور.
الابتكار الأميز لدى نوتومب والأكثر خيالاً أن القتل سيكون طريقة ليس إلى المتعة فحسب، بل إلى الحب اللامتوقع.. إلى حب غريب عجيب، بل ومتطرف.
وكأنما تأخذ الرواية وفق طريقة سرد بسيطة تعتمدها الروائية شكل قالب دائري، هذا لا يلغي تصاعدية الأحداث، خط سير دائري أو قالب سردي دائري يأتي من أن نقطة البداية تتشابه مع نقطة النهاية.
شرارة البدء تنطلق من محاولة ( أوربان) التخلص من قصة حب فاشلة.. نسيانها.. تقوده الظروف للعمل ( قناص مأجور).. يقع في متاهة الدماء ..
( لا يوجد شيء عذري كالقتل. لا يماثل هذا الإحساس إحساس آخر.
يرتعش المرء من اللذة في مواضع يصعب تحديدها. مثل هذه الغرابة تحررك).
ليكتشف في القتل سره الذي يحوله إلى مدمن على بطش الآخرين وإسالة دمائهم.. يعثر على نشوة عصية الإدراك تعوضه عن النشوة الإيدوسية..
( في القتل فقد بلغت من أول مرة نشوة هي من القوة بحيث بدا لي مستحيلاً تخيل ماهو أفضل).
خيط الحب سيربط ما بين (أوربان) وإحدى ضحاياه. خيط يمتد ما بينه هو (الحي) وبين الضحية، الشابة التي قتل، وسماها (سنونوة) .. علاقة حب لا معقولة تنشأ من نظرة عين.. يلمحها قبيل إطلاقه النار عليها.. ( لم أر قط شيئاً جميلاً كجمال عينيك وهما في حالة التحدي).
التقاها بعد أن قتلها.. أحبها بعد أن التقاها ..
فكرة جنونية.. تتخبط وتختلط أوراقها مع فكرة النشوة الحاصلة من فعل القتل ..فكرتان تشتغل عليهما نوتومب بلسان بطلها المراسل (أوربان) الشخصية المحورية والتي تكاد كل الشخصيات الأخرى تبدو مقارنة بها مجرد ظلال. فكل الأحداث وكل الأفكار تساق من خلاله.. من وجهة نظره.
تقتضب .. تختزل.. وتختصر نوتومب.. تكثف أفكارها لتصل إلى المنبع الأساسي إلى محور عملها (قصة حب مجنونة).
( ينبغي عدم مقارنتك بمن حولك من الناس العاديين، أنت كنت السنونوة، وكانت طريقة حياتك الحيطة والحذر، وكان هذا يعجبني، أقر بأنني أردت ألا تشعري بالأمان، أحببت فكرة أن تخافي، أحببت أن تكوني هذا الارتعاش ، أن تشعر عينك بالخوف مع أنها شجاعة، أحببتك قلقة ، وربما كنت قاسياً إلى حد ما كي أبقيك في هذا الخوف الذي أردته أن يكون سرمدياً، سنونوة، ليتك تعودين للحياة، أنا الذي قتلتك في يوم من أيام الربيع..).
تراتبية ( حب، قتل، حب) تحيط بالبطل، تتسلسل حكايته وفق هذه الحبكة الروائية، الحب يطغى على طرفيها، بينما القتل يتحكم بمتنها.. مصير أركان العمل ( البطل، محبوبته، وقصة الحب) جميعهم إلى العدم.. إلى الموت.. (يوميات سنونوة) عنوان مبطن لغاية مزدوجة ، ظاهره شفاف على العكس من أجواء تطغى أحياناً مصبوغة بالدم..
لا تهتم نوتومب بسوق تعليلات أو مبررات (الحدث الروائي) .. هو يوظف لديها متكأً لمجيء فعل آخر.. كما في حالة اهتمام الجميع بدفتر اليوميات دون ذكر السبب، ومع هذا تكون هذه ( اليوميات) مهمة لتحول خطير في مسار العمل. مجرد ( يوميات) لاتحتوي أي تفصيل يلفت الانتباه ستكون سبباً بموت ( أوربان).. بمعنى أن الحدث المهم والجوهري يبنى على جزئية لا تساق بتعليل مقنع .
ربما في ذلك ملمح إلى ( عبثية) أرادت الروائية الإيماء إليها. بساطة فنيات السرد لدى نوتومب تميز أسلوبها الذي يسمح بتدفق الأحداث قدماً دون تعقيدات أو فذلكات .
واللعبة الفنية تعتمد ما يشبه تناسباً عكسياً.. تنمو الفكرة في حين تختصر الأحداث والشخصيات .
في (يومياتها) تعمد إثارة القارئ عبر الفكرة- غرائبيتها ومدى جدتها- فكرة تخترق الرواية كومضة تضمحل أمامها تفاصيل العمل الأخرى.. ولهذا لن نجد أي فكرة فرعية مهمة تسرد على طول الحكاية.. حكاية تدور كل عناصرها حول وقوع ذاك القاتل بهوى ضحيته، عشقة.. حبه يبقى يطل عليه بوجهه الأحمر القاني .
الكتاب:( يوميات سنونوة) - المؤلفة: إميلي نوتومب - المترجم: محمد عبد الكريم إبراهيم - الناشر: دار علاء الدين 2010م