وقد أضفي عليها البريق هنا، من هذا المنظور لفت عرض (سيلوفان) على صالة مسرح الحمراء بدمشق الأنظار، إن كان في أسلوبه الفني، أو في أفكاره ومعالجاته لقضايا راهنة، تشغل بال الجميع، وتسكن وجدانهم، والتي تقارب الواقع السوري وبعض تعقيداته، وقد عبر العرض إليها، على الأكثر من خلال الجانب الاجتماعي الذي يعني الكثير، ومع اختلاف الأسلوب الفني، ووصول الأفكار والمقترحات التي أرادها، فإنه وصل إلى نقطة جوهرية، استقطبت حالة تفاعلية نادرة، يصنعها حتماً مع المتلقي العمل الفني الناجح والمتقن، فيأسر الأحاسيس، يخاطبها ويتداخل مع أعماقها، ثم يوجهها كي يرسي الآمال، عند محطات هي الأجمل، يلتقي عندها كل من أحب الوطن، وكل ذلك كان عبر شكل فني جديد، وعبر معطيات، استطاعت أن تقدم جماليات مشهدية تتالت، ودمجت بين مفردات فنية مختلفة، وفنون أساسية عديدة، كما وتجلت الصياغة الإبداعية لتكوينات وتشكيلات، استخدمت كل العناصر الفنية مع بعضها البعض، بدءاً من الموسيقا الحية، التي لعبت دوراً مهماً رافقت آلية العرض الخاصة موجهة لها، تبدلت وتطورت وتصاعدت في مواقع متتالية، من هنا ساهمت الموسيقا بدورها، كمؤثر فني ومشارك أساسي في التجسيد للحالة الدرامية، حيث قدمها مجموعة من الموسيقيين السوريين المتميزين، وكان منهم (نزار عمران)، (صلاح نامق) و(قصي الدقر) و(ناريك عاجيان)، كما ترجم الرقص التعبيري والأداء التمثيلي عوالم درامية واسعة، وساعدت الإضاءة بالكثير من الإيحاءات، وذلك بأجوائها المتباينة والمتدرجة، تلك التي مكنت العرض، وعن طريق الاستخدام المدروس والموظف، من بلورة أحاسيس وأفكار واستجرار دلالات مختلفة، لأن العمل (سيلوفان) وزع الأدوار المتكاملة بمهارة فنية ودقة، بين كل تلك المعطيات والعناصر المختلفة، والتي تألقت مجتمعة في تعبيراتها، ناسجة لعوالم واسعة، تفصح عن رؤية ومواقف من الحياة، حيث انطلقت من الذهنية البحتة والأفكار، إلى الحالات الإنسانية، وصولاً إلى تجلياتها وتفسيراتها تجاه العالم الخارجي، ليتمكن عرض (سيلوفان) من التعمق في قضايا كثيرة، حتى في العلاقات وآليات التعامل مع المحيط، مع الذات ومع الآخر، فتحضر الهموم الوطنية بين كل تلك التفاصيل، ويتعمق العرض في أبعادها الإنسانية، من خلال المحاكاة بين ألوان فنية متنوعة من جهة، ثم المحاكاة مع الواقع من جهة أخرى، ليتم تعميقها وتظهيرها. أما التعبير بلغة الجسد والمهارات الأدائية، استطاع في هذا العرض وتوليفاته، أن ينقل أعقد وأصعب المعادلات الإنسانية، التي ترتبط بالعلاقات الاجتماعية والإنسانية، ضمن بيئة عامة واضحة الملامح، حيث تأخذ معناها الخاص هنا، وبالمقاربة مع واقعنا السوري، إذ صور العرض من خلال لوحاته الفنية حالات وعلاقات، ترتسم ضمن إطار من المحبة والحلول الإنسانية والحوار واحترام الآخر، تحت خيمة الوطن، فهي المبتدى والمنتهى، لأنها الأساس القوي والقادر على البقاء، إن كثرت الملمات، فقدم العرض مقترحاته، مستعيراً بعض تفاصيلها من صميم الواقع، وقد حملت الكثير من مقارباته.
كل عمل فني عبر بمفرداته ولغته حول الحدث السوري وهمومه، فكان عرض (سيلوفان) كغيره من الأعمال الأخرى، التي ارتبطت بواقعنا، فترجم رؤيته تجاهها بشكل جمالي خاص، مترجما للآلام أيضا، بعد أن ولف أدواته الفنية الراقية، دارجا الفنون البصرية والموسيقية والاستعراضية مع بعضها، لتجسيد إيحاءات تقارب الفنون الدرامية في مقولتها، بل وتسبقها في آليات تعبيرها، واستطاعت أن تشكل جملها وكلماتها المركبة عبر صياغات فنية، تألقت بعد أن تجولت في عوالم إبداعية متنوعة، والتقطت منها الأكثر مقدرة على موازاة الواقع ومحاكاته، ثم تجسيد المقولة الإنسانية الأجمل المكللة بأفضل القيم والوقوف عند خيمة الوطن الأم التي اجتمع عندها جميعهم رغم الاختلاف، واستطاعت لغة العرض الخاصة، أن تنسج لوحات غنية، وتقارب الواقع من خلال استعارتها تلك، كما تمكنت من الإفصاح عن أعقد العلاقات في حياتنا، ولاسيما فيما يتعلق بأزمتنا بل ربما إيحاءات لوحاتها كانت أعمق وذهبت أبعد منه، لأن العرض يوجه دعوات ملؤها الإنسانية والغيرية وتفضيل مصلحة الجماعة على مصلحة الفرد، وهذه القيم عند حالة الإيمان والتمسك بها، هي كافية لتجاوز كل الإشكالات الحالية كما الإشكالات المحتملة، فعندما يأخذ الإنسان بعين الاعتبار احترام الآخر، ويعتبر إطار مصلحة المجموعة هو الحاضن الأول والمعيار الأهم، في مقابل المصلحة الفردية، هنا يمكننا أن نخلق المعجزات، ونتجاوز الكثير من المشاكل، مهما كبرت، وقد استطاع العرض التقاط مفاتيح تعبيرية واسعة بذكاء، كي يجسد تلك الأفكار المطروحة بامتياز، وقد مر العرض على عوالم محسوسة ومعاشة، فاستعار من دلالاتها الرؤية الإنسانية والحل، التي كثفت بين طياتها الكثير من العبر العامة.وتم تصوير كل ذلك بمهارة، ليبدو لنا أن تلك اللوحات، كنسيج يتماهى فيه عالم درامي بأكمله، وله سماته ومفرداته وأدواته الخاصة، والتي عبرت مجتمعة بابلغ الكلام وأحكمه، فالتجسيد الأهم، صاغته اللغة الفنية الخاصة الموحية والبليغة، ثم المرونة الفائقة، التي بلورت معاني كثيرة، ، أوصلته لغة الجسد بالدرجة الأولى، رغم أن العرض غاص عميقا في أبعاد أفكاره وتفاصيلها، واستخدم الكثير من الدلالات، التي تنوب عن الكثير من الأشياء الواقعية، دون أن ننسى دعم المؤثرات المسرحية الأخرى، لخدمة الفكرة المطروحة وتجسيد ها عبر مفردات جمالية شكلا ومضمونا.
(سيلوفان) من إخراج وسينوغرافيا (أسامة حلال) كريوغراف (علاء كريميد) أما المؤدون فهم:
(حور ملص) (داري جميل) (لانا فهمي) (محمد شباط) (حسن رابح) (مازن نحلاوي) (عمر قرقوط) (حسن برزاوي)، وأنتجته مديرية المسارح والموسيقا بالتعاون مع صندوق المورد الثقافي.