على خشبة المسرح القومي في «اللاذقية»، وقد كان فاتحة أمل ٍ أمام جمهور الشباب المتعطش للمسرح في اللاذقية، خاصة ً بعد فترة ٍ هامة ٍ من الغياب الطويل و القسري للمسرح عن اللاذقية ومسارحها وجمهورها.
العمل مونودراما متخيلة،مستقاة من حياة وأعمال الشاعر محمد الماغوط، ومن تجربته في الحياة والأدب والمجتمع والسياسة، السينوغرافيا لهاشم غزال، والتمثيل للفنان سهيل حداد.
في البداية تشعر بأن العرض سهل ٌ جداً، لكنه في الحقيقة صعب ٌ وعميق، ويبدو أن العاملين عليه استطاعوا الوصول إلى الماغوط في ثقافته وعمقه، وأوصلونا إلى مقولة ٍ يمكن اختصارها في حياة الشاعر الكبير مرددا ً- كما تخيلته - رائعة محمد عبد الوهاب:
أنا من ضيع في الأوهام عمره
استطاعت كلاديس مطر -الكاتبة الذكية والشجاعة - أن تنتقي لحظات ٍ قلقة ٍ من جهة، وحرجة ٍ من جهة، من كتابات وحياة الماغوط، ووضعتها في سياق الراهن، لنشعر بأن الحدث يجري اليوم، وما عاناه الماغوط البارحة وقبلها، من بداية حياته،وصولا ً إلى اعتقاله وإبداعاته، وكل المراحل التي مر بها، ونعاني نحن اليوم، كمحبين أو متابعين للحدث (الماغوطي) وهذا يعطي أهمية ً لما كتبه الماغوط ولما تكتبه المؤلفة هنا.
على الصعيد التقني جاء العمل بسيطا ً واضحا ً، ولم يؤثر لعب الممثل الواحد لأكثر من شخصية، فقد تابعه الجمهور بشكل ٍ جيد ٍ.
في العموم العمل جيد وهو كسر ٌ لحاجز الجليد المسرحي، ويسجل لفريق العمل بجدارة.
أما من ناحية التمثيل، فقد أوفى الفنان سهيل حداد الدور حقه، ولعب بشكل ٍ جميل ٍ، انسجم معه جمهور الحاضرين، وكان مقنعا ً في إيصال الجو الذي صاغته المؤلفة، وواكب التقنيات والإضاءة التي كان وراءها هاشم غزال وفائق عرقسوسي. وأهم نقطة أتوقف عندها كمتابع ٍ لمسرح اللاذقية هي عودة الفنان سهيل حداد إلى المسرح، بعد غياب، ولا بد من تسجيل نقطة ٍ لصالحه، منذ سنوات،في معالجة ٍ درامية ٍ لأعمال ممدوح عدوان قبل رحيله، وأيضا ً هنا في متابعته للماغوط.
يقول حداد في أكثر من لقاء ٍ جول العمل: «عملنا عبارة عن صرخة حب ٍ لهذا الوطن،ودعوة ٌ للوقوف أمام الذات ولو للحظات لكل مواطن يأخذ معه شيئاً من الفكر الذي نطرحه إذا اقتنع فيه ويحاول أن يوصله لأولاده ولأولاد حارته.
العمل من الوطن وإلى الوطن وهو همسة حب له ودعوة لعشقه بشكل حقيقي، وقد حاولنا من خلاله التوجه إلى شريحة الشباب وكل أمنياتنا أن يكون جل حضوره من الشباب، وتوجهنا - رغم الدمار والوجع - لأي مسرحي ٍ أو مواطن ٍ يشعر بانتمائه إلى وطنه ويحاول أن يزرع حبة حنطة علها تتحول إلى سنابل حب لهذا الوطن.»
المحرج الفنان فائق عرقسوسي، في مسرح اللاذقية بعد (أيمن زيدان، ونضال سيجري، وغيرهم) أكد أن العمل من النوع الذي يستهويك ويدفعك إلى العمل في إخراجه،وحين شعر بأنه يلامس قلوب و وجدان الناس فكر كيف سيحوله إلى عرض ٍ مسرحي. عرض ٌ أعجب جمهور اللاذقية المتذوق والمحب وكان التفاعل كبيراً ً، ويتابع عرقسوسي: «لا أستغرب على جمهور اللاذقية والجمهور السوري كله لأنهم يحاولون التأكيد حتى بحضورهم أننا لا نموت إلا واقفين. ونحن دائما ً أقوى من الموت ومن التآمر وأقوى من الخوف، وحب الحياة متجذر ٌ فينا.»