في الحالة التي تعيشها سورية من شذوذ البعض عن قاعدة الوطن واتخاذها سبلاً مختلفة للإساءة إلى هذا البلد والمساهمة في تخريبه وتدميره واكتشاف أعداد لا بأس بها ممّن ضلوا عن هداية الوطن وساروا في خط الشيطان الأخرس، لكن الواقع المرير الذي مضى على ظروفه القاسية أكثر من عام ونصف بيّن لنا بعض من تراجعوا عن الخطأ الذي قاموا به وارتكبوه بحق شريان هذا البلد العزيز الآمن، لتأتي التعليقات شبه إيجابية من أبناء النسيج الاجتماعي كما علم الوطن فالبعض أكدّ على أن من يريد أن يتراجع عن الخطأ لابدّ أن الموقف يتطلب جرأة وقوة ويحتاج إلى محاكمة عقلانية وليست عاطفية لأن المرء يكون هنا أمام ذاته.
وانطلاقاً من ذلك تشير الدكتورة رشا شعبان/جامعة دمشق/ في حديث إذاعي إلى أن الموقف الذي ينطلق من الذات ويتوجه أيضاً إلى الذات فهو موقف يتطلب نكران الذات بمعنى فيه شيء من الغيرية والقدرة ليس على جلد الذات بل اتخاذ موقف من الذات، وهو موقف يتطلب شجاعة وقوة لأنه من السهل برأيها أن ينظر كل منّا إلى الآخر ويقول عد عن خطئك ولكن قبل التفوه بهذا الخطاب للآخر يجب أن يتوجه ذلك إلى نفس الشخص ذاته والذي يتطلب موقف أكثر شجاعة وأكثر قوة، بمعنى أنّه مثلما الإنسان يستطيع أن يعود عن خطئه ويستطيع أن يوجه إلى ذاته نقداً أو يكتشف أخطائه ويعود عن خطئه، وكما يتطلب هكذا موقف قوة وشجاعة بالمقابل يحتاج كل ذلك إلى مسامحة، فحتى الذي يسامح وفق وجهة نظر الدكتورة شعبان هو شخص قوي، طالما أن الإنسان الحاقد والذي لايستطيع مسامحة الآخر فهو يعبر عن موقف الضعيف وليس موقف القوي ولاسيما أن القوي يمتلك قدرة على الحب وقدرة على الاحتضان، وقدرة على التعامل مع الآخر ولو أخطأ طالما عاد عن خطئه.
قدرة على الاستمرار
وتوضح الدكتورة شعبان بأن الذي يعود دائماً عن هفواته وأخطائه يكون لديه أمل في المستقبل وقدرة على الاستمرار، فيما الإنسان الذي يكتشف أنه على خطأ ولا يتراجع عن هذا الوزر فهو دائماً في موقف العداء وإذا ما سألنا لماذا، فإن الجواب أنه أصبحت الأشياء تتساوى أمامه ولا تعني شيئاً، أي أصبح الشيء الصحيح مثل الخطأ..
وهنا تلفت شعبان بقولها«أنا لا أصدق بأن الإنسان.. أي إنسان لايعرف أنه على خطأ» إذ في كثير من الأحيان يعرف الإنسان نفسه أنه على خطأ ولكن عليه أن يواجه هذا الخطأ بأمل في المستقبل ورغبة في الحياة، بمعنى أن أستمر في الحياة وأنا أخطىء يعني أن أعيش وأنا ميت.
بذور الخير
ونوّهت السيدة شعبان إلى أنه خلال الأزمة التي تعيشها سورية فإن المجتمع يقدر موقف الذين امتلكوا جرأة القرار وعادوا عن خطئهم معترفين بأن سورية تتعرض إلى مؤامرات مختلفة الأشكال، وبالتالي فمن عاد عن هذا الخطأ فمازال لديه أساس بذور الخير، على اعتبار أن الإنسان ليس شريراً بالمطلق وليس خيراً بالمطلق أيضاً، لذلك نقول بشكل عام هذا خير وهذا شر، ولكن هذا لايعني أن الخير خيرّ بالمطلق وأن الشرير شريربالمطلق لأن الإنسان خير بقدر مايستطيع أن ينتصر الخير الذي بداخله على الشر الذي بداخله أيضاً، فأنا خيرّ أو خيرّة طالما استطاع أن ينتصر ما بعمقي من خير على ما بعمقي من شر والقول هذا للسيدة شعبان مضيفة.. أنني لا أمتلك الشر أبداً بالمطلق، لأن القوة في الصراع هي القوة في انتصار الخير الذي بداخلنا على الشر، وإذا ما بقي هذا الشر في دواخلنا فلا بد من المحاكمة الذاتية الداخلية لقمع هذا الشر لأن الإنسان مازال بطبعه فيه شيء من الطبيعة العدوانية التي تأتي من الطبيعة الحيواتية بداخلنا من الأحياء.
وبالتالي فإن أجمل مايقوم به الإنسان هو أن يقف أمام نفسه سداً منيعاً أمام أخطائه ويقول لا لن أستمر في هذا الطريق غير الآمن والمؤذي ما يعني أن مسألة المواطنة برأي الدكتورة شعبان هي مسألة ليست معقدة وليست بالسهلة في آن معاً، ذلك أن المواطنة هي قدرة على أن أحب وطني بالمطلق وهي حالة بالمناسبة ليست عقلانية فقط وإنما حالة عاطفية أيضاً وأخيراً يمكن القول إن الموقف برمته يحتاج على عظمة جرأة وقوة التسامي والرجوع عن الخطأ والاعتراف به أمام الذات وأمام المجتمع ففي ذلك قمة الشجاعة والبطولة وقمة القوة، لأنه كما ورد آنفاً فإن من يعود عن الخطأ يكون لديه أمل في المستقبل.